جورجيا غير المستقرة!
لقد كانت جورجيا دائما مكاناً للتوترات والصراعات منذ ما يسمى بالثورات الملونة وحتى اليوم. و يعيش هذا البلد في صراع كبير بسبب الاضطرابات الأخيرة التي حصلت فيه، حيث أصبحت مصالح جيل الشباب وآرائهم المعارضة تواجه الجيل السابق، وأصبحت هذه القضية محل انقسام وصراع في هذا البلد.
لقد كانت جورجيا دائما مكاناً للتوترات والصراعات منذ ما يسمى بالثورات الملونة وحتى اليوم. و يعيش هذا البلد في صراع كبير بسبب الاضطرابات الأخيرة التي حصلت فيه، حيث أصبحت مصالح جيل الشباب وآرائهم المعارضة تواجه الجيل السابق، وأصبحت هذه القضية محل انقسام وصراع في هذا البلد.
سبب الاضطرابات
تسعى الحكومة الجورجية إلى إقرار قانون الشفافية، وهو القانون الذي يلزم وسائل الإعلام الأجنبية ووكالات الأنباء بتحديد مصدر تمويلها، وإذا كان المبلغ أكثر من 20 بالمئة، فيجب عليها إدراج اسمها في قائمة تحت عنوان "مصالح قوة أجنبية" .[1]
هناك معارضون لهذا القانون يعتقدون أن اعتماد هذا القانون سيؤدي إلى المزيد من تقييد الحريات الإعلامية في هذا البلد. وفي الواقع يرى المعارضون السبب الرئيسي للاحتجاج في نقطتين. أولاً، وصف المعارضون مشروع القانون بأنه "قانون روسي" وقارنوه بالقوانين التي استخدمها الكرملين على مدى العقد الماضي لقمع معارضيه. في المقابل، يقول حزب "حلم جورجيا" الحاكم إن هذا القانون ضروري لتعزيز الشفافية والحفاظ على سيادة البلاد ومحاربة "القيم الليبرالية الزائفة" التي يروج لها الأجانب. ثانياً، أكد الاتحاد الأوروبي أنه على الرغم من منح جورجيا صفة المرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن عضوية البلاد قد تواجه تحديات خطيرة ولذلك، خرج العديد من الشباب الجورجيين إلى الشوارع احتجاجًا على هذا القانون، الذي يعتبرونه مخالفًا لحرية التعبير[2].
لكن يبدو أن هذه ليست القصة بأكملها، لأن الحزب الحاكم وصل إلى السلطة بأغلبية الشعب، وبحسب رئيس الوزراء كوباخيدزه فإن هذا القانون ضروري من أجل الشفافية. لكن النقطة المهمة هي التأثير الإعلامي للغرب وجهوده لإخراج شعب جورجيا للشوارع، وهو أمر لديهم تاريخ في القيام به والثورات الملونة في منطقة جنوب القوقاز هي مثال على ذلك. وتخشى وسائل الإعلام والأطراف الغربية من نمو تيارات معارضة للحرب في أوكرانيا وبشكل مؤيد لروسيا وتحاول منع نمو وانتصار هذه التيارات قدر الإمكان.
إضافة إلى ذلك فإن الأطراف الغربية تخوض حرباً شاملة مع روسيا في مختلف المجالات، ولا يشكل النفوذ في الجبهات السياسية القريبة من روسيا استثناءً من هذه القاعدة. وفي الواقع، اتخذت الحرب في المنطقة الرمادية أبعاداً أوسع وأكثر تعقيداً، ويبحث الغرب عن الضغط على روسيا من أجل تغيير تركيزه عن الحرب مع أوكرانيا، وإقحام روسيا في جبهات أخرى للحرب في أوكرانيا من أجل الحد من قوتها.
كما أن جيل الشباب في جورجيا يواجه الخوف من فقدان الحلم الأوروبي، وهو الأمر الذي أكدت عليه السيدة فان ديرلاين لأن الموافقة على هذا القانون ستكون سببا في عدم عضوية جورجيا. وكان بوريل المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، قد أعطى تحذيرا مماثلا، وأدت هذه المواقف إلى تصاعد التوتر الداخلي في جورجيا إلى درجة أن معارضي الخطة حاولوا اختراق البرلمان ومنع إقرار هذا القانون[3].
إن هذه التصرفات العاطفية، التي تمت بلا شك بدعم من الغرب، تظهر أهمية الإعلام في القضايا المهمة للدول. إذا افترضنا قبول عضوية جورجيا في الاتحاد الأوروبي، فسوف يكون أمامها طريق صعب نحو العضوية، ولن يحدث ذلك بين عشية وضحاها. في الواقع إن حلم إضفاء الطابع الأوروبي على جورجيا هو القضية التي تسببت في التوتر والاضطرابات في هذا البلد. ترجع هذه الأحداث جزئيًا إلى دور وسائل الإعلام الغربية وجزئيًا إلى الفجوة بين الأجيال في جورجيا. الجيل الجديد من هذا البلد لا يهتم كثيرا بروسيا ونموذجها، ومن ناحية أخرى، على الرغم من بريق أوروبا، يأمل أن تتجه بلاده نحو الأوربة، في حين أن الواقع هو أن الأوربة لن تتحقق دون دفع التكاليف الباهظة التي تتجاوز الحدود، والاتحاد الأوروبي ليس على استعداد لقبول أعضائه لمجرد توسعته. وفي الواقع، إذا أرادت جورجيا أن تصبح عضواً في أوروبا وحلف شمال الأطلسي، فيتعين عليها أن تعد نفسها لمواجهة تحديات أكبر مع روسيا، ولعل السبب الرئيسي وراء مقاومة قادة هذا البلد للجيل الشاب هو نفس القضية التي يسعون إلى الحفاظ عليها كدولة مستقلة وليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، لإنه من الممكن أن تواجه مصيرًا مشابهًا مثل أوكرانيا.
[1] euronews.com
[2] foreignpolicy.com
[3] cnn.com