جرائم القتل الجماعي في الولايات المتحدة: الانهيار من الداخل
تتصاعد ولكنها لا تتنوع طرق تنفيذ الجرائم في الولايات المتحدة الأميركية، خاصة تلك التي تتعلق بإطلاق النار في المدارس، حيث يأتي طالب قديم أو منخرط حديثًا في مدرسة أو جامعة ما ويفتح النار فيقتل من يقتل ويجرح من يجرح وتنتهي الحكاية. وبكل بساطة يترك الجميع أمام هول جريمة كبرى، تلملم الجراح وتوضع الورود في مكان الحادثة ويتعاطف الجميع مع بعضهم البعض ثم يشعلون الشموع وينشدون بعض التراتيل، ثم يترك الوالدان والأهل لمصيرهم وللصراع المرير الذي يخلفه مصابهم.
في السابع والعشرين من آذار/ مارس الحالي تكرر السيناريو المهول مع تغيير بسيط، فمن نفذ الجريمة في ولاية تينيسي هذه المرة "شابة" في الثامنة والعشرين. من يرتكب جرائم القتل الجماعي في أمريكا هم "شباب"، وذوو مشاكل نفسية كبيرة بالتأكيد، ولديهم سهولة في الوصول إلى السلاح، اذ حملت "الشاذة جنسيًا" أودري اليزابيت هيلي بندقيتين نصف اتوماتيك تستخدمان في الهجوم ومسدسًا عيار 9 ملم، وبدأت بإطلاق النار في أروقة المدرسة، أي أنها كانت تهاجم بنية القتل، وهذا ما أشار إليه الإعلام الأميركي بطريقة غير مسبوقة.
وما يعتبر ملفتًا في الحادثة، أن المدرسة التي هاجمتها هيلي هي مدرسة خاصة وذات طابع ديني كانت تلميذة فيها من قبل، وهذا له علاقة وثيقة بأزمة هيلي. وهنا يحضرنا التوجه غير الطبيعي في المجتمعات الغربية نحو تشريع "الشذوذ" والترويج له، وما إلى ذلك من التحولات التي يواجهها المجتمع الغربي، وكأنه فايروس ينتقل في الهواء.
بالتأكيد إن الحديث عن الأزمة التي تتعرض لها الولايات المتحدة في السنين العشر الأخيرة ليست صغيرة ويبدو أنها تتراكم وتزداد، إذ شهد العام الماضي 303 حوادث إطلاق نار بحسب موقع K-12 وهو موقع أنشأه الباحث ديفيد ريدمان، 89 من هذه الحوادث كان في المدارس. والمفجع في الأمر أنه إذا أراد المرء قراءة تقرير الـ BBC حول حادث إطلاق النار في جامعة ميشيغان، وهي من أهم الجامعات في الولايات المتحدة في 14 شباط/ فبراير فسيجد روابط اضافية لحوادث أخرى مرتبطة بحوادث إطلاق النار في كل من فلوريدا وكاليفورنيا، إضافة إلى حادثة تينيسي، وسيجد أن مهاجم ميشيغان هو رجل أسود قصير القامة، فيبدو أن معظم حوادث إطلاق النار باتت في مرحلة ما تعبيرًا عن حالة من الاضطراب بسبب التنمر الذي يتعرض له الطلاب أو حتى أفراد المجتمع المتماثل بين بعضهم البعض. ومن يتابع حوادث القتل فسيجد أن القاتل دائماً يرتكب جريمته مع دوافع عنصرية أو بسبب تعرضه للتنمر من قبل أقرانه وأحياناً بسبب رفض للحالة الاجتماعية المزرية التي يبدو أنها تتدهور في الداخل الأميركي، وأحياناً كثيرة بسبب رفض الواقع الجديد المرتبط بتشريع ما يتنافى مع الطبيعة.
لكن يبدو أن هناك تسطيحًا للأزمة، فرئيس الولايات المتحدة جو بايدن يعزو الأمر للدستور الذي يعطي الحق لكل أميركي تجاوز 21 عاماً بحمل السلاح. وهو يحاول منذ قدومه للسلطة سن قانونًا في الكونغرس يحد من السماح العشوائي لكل من بلغ السن القانونية بحمله، ولكن هذا القانون مصدر جدل كبير، وارتفاع عدد الضحايا في العام الماضي وبأكثر من أي وقت مضى يثير تساؤلًا كبيرًا حول استغلال بايدن للحوادث من أجل تمرير قانونه فقط، مع أنه وصف حادثة تينيسي بانها مثيرة للقرف، وأنها لا تتسبب بانقسام المجتمع الأميركي فقط، بل تتسبب بانتزاع روح الأمة الأميركية، وذلك خلال حديث له يحث فيه الكونغرس على إقرار القانون مجدداً.
بالطبع مع وجود الجمهوريين كأغلبية في المجلس من الصعب أن يمر القانون لأن ذلك سيفقدهم ثقة ناخبيهم، لأن القانون يمس بروح الدستور. ومرور القانون يعني انتصارًا لبايدن، ولذلك لن يمرره الجمهوريون أبدًا.
ما يتغاضى عنه بايدن وغيره ممن يتصارعون على الحكم، بأن المجتمع الأميركي بات مجتمعًا مقهورًا من خلال العنصرية السائدة منذ بداية تأسيسه، وبسبب التنمر الفاضح الذي يمارسه الأقوياء على الضعفاء فيه، واليوم بات مقهورًا عبر فرض مفاهيم اجتماعية شاذة وقوننتها فيه، ويد هؤلاء هي من تحمل السلاح وتطلقه عشوائيًا للتنفيس عن أزماتها، وقد تأتي الطلقة في رأس البلد.
عبير بسّام