تهاوي أحجار الدومينو الفرنسية في غرب أفريقيا.. بعد الغابون من التالي؟

تستمر أحجار الدومينو في السقوط في غرب أفريقيا. إذ لم يكد يمر أكثر من شهر على اطاحة الحرس الرئاسي في النيجر بالحكومة في البلاد حتى نفّذ عدد من الضباط العسكريين في الغابون هذا الأسبوع، انقلابا ضد الرئيس علي بونغو الذي يحكم البلاد لفترة طويلة، في أعقاب انتخابات مثيرة للجدل.

سبتمبر 3, 2023 - 12:39
تهاوي أحجار الدومينو الفرنسية في غرب أفريقيا.. بعد الغابون من التالي؟
تهاوي أحجار الدومينو الفرنسية في غرب أفريقيا.. بعد الغابون من التالي؟

فالانقلاب ضد الرئيس الغابوني وازاحته من السلطة، هو السابع في المنطقة في غضون ثلاث سنوات، بما في ذلك تلك التي حدثت في كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا.

ما القاسم المشترك بين الانقلابات في غرب افريقيا؟

صحيح ان هناك العديد من الاختلافات السياقية بين الانقلابات المختلفة، لكنها تشترك في قاسم مشترك واضح لا مفر منه وهو: انتشار المشاعر المعادية للفرنسيين التي  تغذي رفض الوضع السياسي الراهن. ففي جزء كبير من غرب أفريقيا ــ وفي جميع بلدان المنطقة التي شهدت عمليات الاستيلاء الأخيرة المناهضة للديمقراطية ـــ ينظر الى فرنسا على أنها القوة الاستعمارية القديمة.

ليس هذه فحسب، فالقادة العسكريون الذي هندسوا هذه الانقلابات، واطاحوا بالأنظمة السابقة جانباً، استخدموا ورقة الاستياء من الإرث الإمبراطوري العميق والمعقد لباريس، كسلاح لاقى قبولا في الأوساط الشعبية الافريقية الناقمة على فرنسا وسياستها الاستعمارية، خصوصا في بوركينا فاسو ومالي، حيث اضطرت قوات حفظ السلام الفرنسية في هذين البلدين، إلى الانسحاب بعد أن أوضح المجلس العسكري أن وجودها غير مرغوب فيه.

وفي النيجر ايضا تكثر الخطابات المناهضة لفرنسا، وأمر المجلس العسكري في البلاد الشرطة بطرد السفير الفرنسي، وهي خطوة قال مسؤولون في باريس، التي تعترف فقط بسلطة الرئيس المخلوع محمد بازوم، إنهم لا يعتبرونها شرعية.

اكثر من ذلك، تتحمل فرنسا مسؤولية تردي الأوضاع في الغابون، كونها ترتبط ارتباطا وثيقا بالوضع الراهن والراسخ لسلالة البونغو والفساد الذي كان يرتكز عليه حكمها. فهذا الإرث من التكيف مع الحاكم (ولو كان ديكتاتوريا) في جميع أنحاء غرب أفريقيا، بما في ذلك دعم مدبري الانقلابات والمجالس العسكرية السابقة، يناقض مزاعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السياسية ودعوته للنظام الديمقراطي.

وبناء على ذلك كله، يبدو ان الإرث الاستعماري لباريس الحافل بذكريات دموية أليمة لشعوب القارة السمراء، تحول مع الزمن الى قنبلة موقتة، انفجرت بوجه ماكرون.

المضحك، انه قبل انقلاب الغابون بيومين أي في 28 آب/ أغسطس الماضي، ومع استمرار تصاعد التوترات بشأن ما يجب فعله بشأن المجلس العسكري في النيجر، تحدث ماكرون أمام جمع من الدبلوماسيين الفرنسيين، وأعرب حينها عن أسفه لـ "وباء" الانقلابات الذي يعصف بالمنطقة. واكد إن حكومته كان عليها أن تدافع عن الديمقراطية الوليدة في النيجر.

لكن الضربة الثانية (بعد النيجر) اتت سريعا على رأس ماكرون، فبعد أقل من 48 ساعة على كلامه، وقع الانقلاب في الغابون. حيث برر الانقلابيون تحركهم بأنه رد على الانتخابات المتنازع عليها والتي شهدت مطالبة بونغو، الذي تتولى عائلته السلطة منذ أكثر من نصف قرن، بولاية جديدة.

ما تجدر معرفته هنا، ان خبيراً بريطانياً يعمل في شركة لاستطلاعات الرأي في الغابون كشف للصحفيين، عن وجود انتشار موقف معاد للفرنسيين بشكل لافت للنظر في الغابون في جميع الفئات العمرية، باستثناء الطبقة العليا المؤيدة لباريس في البلاد.

هل من علاقة بين انقلابي النيجر والغابون؟

في الحقيقة، ومن الناحية النظرية، ليس لدى الغابون سوى القليل من القواسم المشتركة مع النيجر، فالأخيرة، تُعد من أفقر الدول في العالم. فيما الغابون، معروفة بثروتها النفطية، وتعتبر من بين أغنى البلدان من حيث نصيب الفرد في أفريقيا، على الرغم من أن قسماً كبيراً من هذه الثروات يتركّز بين أيدي زمرة من النخب السياسية والاقتصادية المدعومة فرنسيا، من هنا نفهم التعليق لصحيفة "لوموند" الفرنسية، أن الانقلاب في الغابون أدى إلى إضعاف موقف فرنسا في موطنها الأفريقي القديم.

بدورها أشارت مجلة "الإيكونوميست" إلى أن "روابط فرنسا الوثيقة بعد الاستقلال مع النخب المحلية، واستعدادها السابق للعمل كشرطي إقليمي لدعم القادة، قد ربط حظوظها بثرواتهم"، وتابعت "لهذا السبب يُلقى باللوم على  الحكام القريبون من فرنسا الذين لا يتمتعون بشعبية اليوم، نظرا لاخفقاتهم في الحد من الفقر أو العنف".

علاوة على ذلك، في بعض النواحي، تشكل فرنسا كبش فداء سهل لرجال الجيش الساخطين. وبحسب "مايكل شوركين" من "مركز المجلس الأطلسي للدراسات": "سواء كانت هذه المشاعر المعادية لفرنسا عادلة أم لا، فهذا أمر خارج الموضوع تماما. أصبحت العلاقات مع فرنسا الآن قبلة الموت بالنسبة للحكومات الأفريقية".

ماذا عن مشاريع التنمية الغربية في افريقيا؟  وكيف ينظر الفرنسيون الى اضمحلال نفوذهم الاستعماري؟

عمليا، أثبتت عقود من مشاريع التنمية المزعومة التي قادها الغرب عدم فعاليتها إلى حد كبير في حل مشاكل الذين استهدفتهم.. فالمشكلة بالنسبة لفرنسا وحلفائها الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، هي أن برامج المساعدات الهائلة التي هي بالأصل من ثروات تلك البلاد ــ حوالي 2 مليار دولار سنويا من المساعدات الإنمائية للنيجر وحدها ــ لم تجعلها أكثر شعبية"، فبحسب الصحفية الفرنسية الجزائرية نبيلة رمضاني "البطالة الهائلة بين الشباب ومعدل الأمية الذي يبلغ 60 بالمائة ليست سوى بعض المشاكل المستوطنة التي يلقى باللوم فيها على أسياد الاستعمار السابقين وشركائهم".

على المقلب الاخر، تمثل أحداث الأسابيع الأخيرة صحوة قاسية بالنسبة للقيادات الفرنسية. وفي هذا السياق، كتبت مجموعة من المشرعين من يمين الوسط في البرلمان الفرنسي رسالة إلى ماكرون في  آب/ أغسطس الماضي، يحثونه فيها على إعادة النظر في دور فرنسا في أفريقيا مع تراجع نفوذها. وقالوا: "اليوم، تم استبدال أفريقيا الفرنسية الأمس بأفريقيا الروسية العسكرية، أو أفريقيا الصينية الاقتصادية أو أفريقيا الأمريكية الدبلوماسية"، معربين عن أسفهم كيف أن "إفريقيا، القارة الصديقة، لم تعد تفهم فرنسا، وتتنافس بشكل متزايد على دورها ووجودها. "

في المحصلة، يتساءل بعض المحللين عما إذا كان الأمر يستحق أن تحافظ فرنسا على بصمتها، فهي لم تعد اللاعب الاقتصادي المهيمن في المنطقة ـــ ففي الغابون، على سبيل المثال، حلت الصين محلها كأكبر شريك تجاري ـــ وهي تعمل في مجال جيوسياسي مزدحم يضم قوى عالمية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وتركيا.

المصدر: العهد