بعد “سيليكون فالي”.. هل تأثرت المصارف العربية؟
جاء إفلاس بنك “كريدي سويس” الأوروبي- السويسري بعد أيام قليلة جداً من إعلان افلاس بنك “سيليكون فالي” الأميركي في الـ 10 آذار الماضي، وفيما يستمر مسار القلق والمخاوف فصولاً جديدة، فإنّ السؤال: ما هو شكل وحجم التأثر الذي يمكن أن يلحق بالمصارف العربية في حال اندلعت بالفعل أزمة مالية جديدة، وهل هي مُحصنة؟.
فعلياً يتركز مجمل القلق على المصارف الأميركية والأوروبية، فيما ستكون المصارف العربية –حسب الخبراء الاقتصاديين- الأقل تضرراً، ولكن بصورة متفاوتة فيما بينها.. لماذا؟
- أولاً: إذا ما أخذنا بالحسبان أن بنك “سيليكون فالي” هو بنك متخصص بتمويل مشاريع التكنولوجيا، وبالتالي فإن عملاءه هم من هذا القطاع، لذلك فإنّ تأثر المصارف العربية يكاد لا يُذكر، لأن البنى التحتية في الدول العربية ليست متوافقة مع الكثير من متطلبات شركات التكنولوجيا، وعليه لم يكن هناك نشاط رائج أو شركات كبرى في القطاع التكنولوجي، وحتى شركات التكنولوجيا العالمية لم تقم بتعزيز شركات التعبئة في الدول العربية عن طريق نقل التكنولوجيا إليها بل أبقتها لديها. وبالتالي فإنّ الخدمة التي تقدمها هذه الشركات -أي شركات التكنولوجيا العربية- تنحصر فقط في نوعية الخدمات التي تريد الشركات الأم نشرها. يُضاف إلى هذا أن الشركات الأصلية الموجودة في الدول العربية ليست بالمنظومات الضخمة التي تقاس بحجم التمويل والنشاط الموجودين في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
- ثانياً: صحيح أن أزمة “سيليكون فالي” وشبح الأزمة المصرفية الذي يخيم على الأجواء لا بدّ أن يدفع المصارف العربية باتجاه مزيد من التحوط والتحصين استباقاً وتحسباً، إلّا أن هذا الاتجاه ليس أبداً بالمستوى الذي هو عليه في المصارف الأمريكية والأوروبية، فمعظم المصارف العربية التي لديها ارتباطات تكنولوجية، أو بعبارة أدق لديها ارتباطات بشكل أو بآخر مع “سيليكون فالي”، أفصحت عن “انكشافات ضئيلة”، وهذا يتأتى من سياسات مالية أكثر انضباطاً، ومن مودعين أقل قلقاً، وأكثر ثقة بالسياسات المالية، على عكس المودعين الأمريكيين الذين دبَّ الرعب في أوساطهم خلال ساعات قليلة، وقيامهم بسحب إيداعاتهم والدفع بـ بنك “سيليكون فالي” للإفلاس.
- ثالثاً: معظم البنوك في الدول العربية هي بنوك محلية، وهو ما يُفسّر ضعف تأثرها بإفلاس “سيليكون فالي” أو بتداعيات أزمة بنك “كريدي سويس”. مع ذلك فإنّ فريقاً من الخبراء الاقتصاديين، ومنهم خبراء عرب، يعتقدون أنه لا بدّ أن تتأثر المصارف العربية في المرحلة المقبلة بصورة أكبر، ولكن بدرجات متفاوتة، إذ إن المصارف العربية لم تكشف بشكل كامل بعد ما إذا كان لديها أي ودائع أو استثمارات في البنوك الأمريكية التي أعلنت إفلاسها، وهي “سيليكون فالي، وسيلفر جيت، وسيغنتشر”.
- رابعاً: الخبراء الاقتصاديون يتحدثون عما يسمونه “متانة وقوة المراكز والملاءة المالية للبنوك العربية”، ويوضحون أن بنوك الدول العربية عادة ما تتبع سياسات حذرة وحكيمة لإدارة المخاطر والتحوط ضد هذا النوع من المخاطر، أي إفلاس البنوك، وذلك بشكل رئيسي عن طريق المخصصات المالية الكافية، ويرى هؤلاء أنّ البنوك المركزية في الدول العربية تدير القطاع المصرفي بشكل جيد يجنبها المخاطر المالية، لأن لديها منظومة رقابية متكاملة، وحزمة من الضوابط والتعليمات بما يصبّ في تعزيز مؤشرات السلامة المالية والمعايير الأساسية المتعلقة بكفاية رأس المال، والسيولة، وجودة الأصول، والربحية.
رغم ما سبق، هناك فريق من الخبراء يحذّر من أن البنوك العربية لن تكون بمنأى عن التداعيات، لأن هذا الإفلاس على الأكيد سيفتح الباب أمام سلسلة إفلاسات لبنوك أميركية وأوروبية جديدة، ما سيفتح أبواب الأزمة على مصراعيها وعلى الجميع.
المصدر: البعث