الموقف السعودي من الدعم اليمني لغزة.. الرياض بين الخوف والرغبة

في الوقت الذي يبحث فيه الاحتلال الصهيوني عن وسيلة حاسمة للرد على الدخول اليمني في الحرب على غزة، والذي أحدث خللاً في موازين استراتيجية كان يستند إليها الكيان الصهيوني، توحي بعض مراكز القرار في العواصم العربية بنأيها عن دعم اليمنيين في انخراطهم بالحرب دفاعاً عن فلسطين، إذ استهدف اليمنيون كيان الاحتلال على مدار أيام الحرب بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، ما شكل هاجساً بات يسبب قلقاً كبيراً للإسرائيليين.

ينايِر 3, 2024 - 11:30
الموقف السعودي من الدعم اليمني لغزة.. الرياض بين الخوف والرغبة
الموقف السعودي من الدعم اليمني لغزة.. الرياض بين الخوف والرغبة

في الوقت الذي يبحث فيه الاحتلال الصهيوني عن وسيلة حاسمة للرد على الدخول اليمني في الحرب على غزة، والذي أحدث خللاً في موازين استراتيجية كان يستند إليها الكيان الصهيوني، توحي بعض مراكز القرار في العواصم العربية بنأيها عن دعم اليمنيين في انخراطهم بالحرب دفاعاً عن فلسطين، إذ استهدف اليمنيون كيان الاحتلال على مدار أيام الحرب بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، ما شكل هاجساً بات يسبب قلقاً كبيراً للإسرائيليين.

الموقف السعودي من الحرب

تحاول السعودية أن تقود جهود وقف إطلاق النار بغزة، من خلال التحرك الدبلوماسي لخارجيتها في المحافل المتعددة، إضافة إلى احتضانها القمة العربية الإسلامية غير العادية التي كان محورها وقف العدوان على غزة، ورفض استهداف المدنيين.

وقد دعا بيان مشترك في ديسمبر الماضي بختام الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية الصينية الإيرانية في بكين، إلى "الوقف الفوري" للعمليات العسكرية في قطاع غزة، وإغاثة المدنيين بشكل مستدام، ومعارضة التهجير القسري للفلسطينيين"، وسط تأكيد الدول الثلاث أن "أي ترتيب حول مستقبل فلسطين يجب أن يجسد إرادة الشعب الفلسطيني، وعلى دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وتقرير مصيره".

وترغب السعودية باستلام السلطة الفلسطينية زمام الأمور في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب وقد صرح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان بذلك خلال مؤتمر صحافي بقوله: "السلطة الفلسطينية قادرة على إدارة غزة، الجميع يعرف قدرتها وقوتها على إدارة الضفة وقامت بعمل رائع رغم التحديات"، مضيفاً أنه "إذا كان هناك طريق إلى دولة فلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية أكثر من قادرة على توفير الصلاحيات اللازمة لها"، فالسعودية تنظر إلى الحل الأمني لقضية غزة مرورا بالمدخل السياسي الذي تتمسك به وهو حل الدولتين.

إن محادثات التطبيع بين المملكة العربية السعودية وكيان الاحتلال، وصلت لمراحل متقدمة قبل السابع من أكتوبر الماضي، إذ يبدي السعوديون رغبة في تطبيع العلاقات مع الكيان ويرونها ضرورة لخدمة رؤاهم الاستراتيجية في المنطقة، لكن الحرب العدوانية الإسرائيلية وضعت السعودية في موقف محرج، وهو ما أربك القادة السعوديين، فأخذوا بالدعوة إلى ربط التطبيع بوقف الحرب، وحل الدولتين.

وقال الكاتب الأميركي توماس فريدمان في مقال حول مصير التطبيع نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية: إنه زار الرياض مؤخرا وتحدث قبل ذلك مع مسؤولين أميركيين، وعندما تنتهي الحرب في غزة، ستظل السعودية ملتزمة من حيث المبدأ باستئناف المفاوضات التي كانت جارية قبل السابع من أكتوبر.

ويؤكد فريدمان أن "القادة في السعودية ليسوا متعاطفين على الإطلاق مع حركة حماس، ولن يشعروا بالحزن في حال اختفت من الوجود، إلا أنهم يشككون في الوقت ذاته في قدرة إسرائيل على القضاء عليها بشكل نهائي ويشعرون بالقلق من أن الضرر الذي يلحق بغزة سوف يؤدي إلى تفاقم العواقب السيئة غير المقصودة".

السعودية واليمن والحرب على غزة

أعلنت حركة أنصار الله اليمنية مهاجمتها السفن الإسرائيلية أو المتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية حتى فك الحصار الخانق الذي يفرضه كيان الاحتلال على قطاع غزة من خلال منع المياه والغذاء والكهرباء والوقود والدواء عنه، ما دفع الولايات المتحدة في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي لقيادة تحالف جديد ضد اليمنيين، أطلقوا عليه اسم "تحالف الازدهار"، لحشد أكبر عدد ممكن من الدول لحماية كيان الاحتلال وتجارته البحرية، إذ إن اليمنيين أعلنوا أنهم لا يستهدفون الملاحة الدولية في المنطقة باستثناء السفن التجارية المتجهة للموانئ الإسرائيلية.

إن المصالح الاستراتيجية للسعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية تلزمها بالوقوف في مواجهة حركة حماس، ومن يساندها، وهذا الالتزام السعودي سيدفع بالمملكة مع الموقف اليمني من الحرب على غزة والذي دفع باليمنيين للانخراط المباشر فيها، إلى العودة للحرب مع اليمن بما تحمله تلك الحرب من خسائر بشرية ومالية كبرى وعودة استهداف منشآت النفط السعودية باعتماد المسيّرات والصواريخ.

فالأوضاع بين السعودية واليمنيين في حالة تهدئة، وخاصة بعد الوساطة الصينية الناجحة بين الرياض وطهران، أما إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فقد وجهت للمملكة انتقادات لاذعة وللتحالف العربي بشأن حرب اليمن، وأوقفت دعمها لها، وعلقت بيع أسلحة وذخائر لجيشها، كما رفعت أنصار الله من قائمة الإرهاب، لكنها من أجل كيان الاحتلال تطلب منها المشاركة في حرب جديدة في اليمن.

ولا ترغب السعودية في تصعيد الوضع بالانضمام إلى تحالف عسكري جديد ضد اليمن، ما دفعها إلى تكثيف الجهود للتوصل إلى اتفاق رسمي لإنهاء الحرب قبل توسعها، وبالتالي سيفرض على المملكة خيار الدخول في الحرب مع اليمن مجددا، وتأتي هذه الإشكالية في عدم قدرة المملكة في البقاء على الحياد فيما لو خرج التصعيد في غزة عن نطاقه وتحول إلى اشتباك شامل يضع من يقف في صف حماس ضد الولايات المتحدة الواقفة في الصف الإسرائيلي، إذ بدأت تستعدّ لذلك من خلال حشد قواتها في المتوسط.

تلك المخاوف دفعت بالسعودية للطلب من الولايات المتحدة ضبط النفس حيال هجمات اليمنيين على سفن في البحر الأمر وسط مساعي الرياض لاحتواء تداعيات الحرب بين حماس وكيان الاحتلال.

فالانضمام إلى أي تحالف بحري بقيادة واشنطن يمكن أن يشعل الحرب مجددا، ويعيد السعودية لخانة الاستهداف وهي الساعية إلى التركيز على بناء اقتصاد لا يعتمد على مداخيل النفط، وفق رؤية 2030، وتوفير أجواء مستقرة في المنطقة.

وقد أوضح ذلك عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله محمد البخيتي، في تصريحه الصحفي: "إذا ما التزمت السعودية والإمارات بعدم المشاركة العلنية وحتى غير العلنية فإن خفض التصعيد سيستمر بيننا وبينهم، لكن إذا شاركوا في الحرب على اليمن فإننا سنستهدف كل ناقلات النفط في المنطقة".

وما زال كيان الاحتلال يبحث عن داعمين له في حربه، في مساعٍ لتشكيل الأحلاف ضد اليمنيين في البحر الأحمر وقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، في نوفمبر الماضي، توجه كيان الاحتلال رسميا إلى عدة دول بينها بريطانيا واليابان لتشكيل قوة عمليات مخصصة للعمل في البحر الأحمر لضمان حرية الممرات الملاحية، وذلك بعد إعلان حركة أنصار الله أنها سوف تستهدف جميع السفن الإسرائيلية.

وكذلك أمريكا تسعى وراء الهدف نفسه، إذ كشف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال لقائه نظيره السعودي خالد بن سلمان "عن رغبته في العمل مع جميع الدول التي تشترك في الاهتمام بدعم مبدأ حرية الملاحة وضمان المرور الآمن للشحن العالمي"، في محاولة منه لدفع السعودية للانضمام إلى التحالفات ضد اليمنيين.

تلك الرغبة الأمريكية والإسرائيلية في إدخال السعودية إلى الحرب ضد اليمن، يفهمها اليمنيون جيدا، لذا حذرت حركة "أنصار الله" المملكة من المشاركة في أي تحالف عسكري جديد تسعى "إسرائيل" إلى تشكيله لحماية سفنها من هجمات الحركة في البحر الأحمر وباب المندب، إذ قال عضو المكتب السياسي لـ"أنصار الله"، عبد الله محمد النعمي: إن "محاولات أمريكا الزج بالسعودية إلى رئاسة تحالف جديد ضد اليمن تحت مبرر حماية البحر الأحمر وباب المندب لن يكتب لها النجاح"، مرجعاً ذلك إلى أن السعودية منذ أكثر من عامين تبحث عن طريقة مناسبة تخلصها وتنتشلها من الوحل اليمني الذي مرغت نفسها فيه طيلة تسع سنوات مضت.

وأضاف أن السعودية تدرك جيدا أن الدخول في أي تحالف جديد ضد اليمن معناه تعريض كل مصالحها الاقتصادية وآبارها النفطية للزوال ولا سيما أن السعودية تعلم جيدا أن اليمن يمتلك من القدرات العسكرية والصواريخ الباليستية والمجنحة والطيران المسير ما يكفي لإرجاع السعودية لمئة عام مضت، إضافة إلى فشل مشروع 2030 الذي يحلم محمد بن سلمان بإنجازه كمنجز تاريخي ومفصلي هام في تاريخ السعودية والذي ينتظر بن سلمان أن يحصل بموجبه على لقب مؤسس الدولة السعودية الرابعة.

في الختام يمكن القول إن تتبع سير الأحداث وسط تشابك المصالح والغايات والمبادئ عند السعودية، وثبات الموقف اليمني بالوقوف إلى جانب حماس، يوضح بشكل جلي المحاولات الحثيثة للسعودية، والتي تتحاشى فيها الاصطدام مع اليمنيين مجدداً.

 مجد عيسى

 

المصادر:

1-https://2u.pw/AdObHEQ

2- https://2u.pw/FCqRcyc

3- https://2u.pw/PDhcgUj

4- https://2u.pw/oFjxt9N

5- https://2u.pw/S2Mcd0K