الكيان الصهيوني والوساطة الحالية في أزمة السودان
بالرغم من إعلان وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام فقد تم انتهاك الهدنة عدة مرات في الساعات الأولى، والوضع هش للغاية. لذلك ستصبح الأزمة السودانية أكثر تعقيدًا وصعوبة مع استمرار النزاعات. وحتى هذه اللحظة لا يزال الدور المحتمل للجهات الأجنبية في النزاع المسلح بين جنرالين سودانيين برهان وحميدتي، غير معروف. يبدو أن هذا الصراع "حاليًا" هو صراع على السلطة بين جنرالين أكثر من كونه حربًا بالوكالة نيابة عن أطراف خارجية. كلاهما يتمتع بعلاقات جيدة بدرجات متفاوتة مع الجهات الأجنبية المؤثرة في السودان. من مصر والإمارات والسعودية إلى إسرائيل وأمريكا وروسيا.
لكن في غضون ذلك يبدو أن علاقات عبد الفتاح البرهان مع مصر أكثر ودية. كان هو وعبد الفتاح السيسي زملاء ودرسوا معًا في الكلية الحربية المصرية. كما تربط حميدتي علاقات أوثق مع السعودية والإمارات حيث أرسل لهم 15 ألف جندي في حربهم مع اليمن. وبالطبع فإن البعض يوجهون اتهامات للإمارات، وبالنظر إلى الحدود المشتركة التي تزيد عن 1200 كيلومتر مع السودان ونهر النيل، فإن مصر هي الأكثر قلقاً بشأن تطورات الأحداث، لكن يبدو أن السعودية والإمارات ليسا قلقين مثل مصر على الرغم من الاستثمار في هذا البلد. وتبدو الولايات المتحدة التي تركز على الحرب في أوكرانيا والصراع مع روسية، قلقة ولا تعتبر هذا الحادث مفيدًا للغرب للتركيز على المواجهة مع روسية. في غضون ذلك ربما لا ترى إسرائيل انعدام الأمن في السودان والوضع يخرج عن السيطرة لصالحها.
في الماضي خلال عهد عمر البشير، كان السودان ممراً مهماً لنقل الأسلحة إلى سيناء ومنها إلى قطاع غزة ، وبعد الإطاحة بحكومته تمت مصادرة كل من الموارد المالية لحركة حماس في السودان. وتم تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى حد كبير وبقدر الإمكان وأغلقت موانئ نقل الأسلحة إلى غزة. لهذا السبب، يمكن أن يؤدي تعطيل أمن السودان إلى نقل الأسلحة من السودان إلى قطاع غزة مرة أخرى، وهذا لن يرضي إسرائيل. لذلك، ربما تكون وساطة إسرائيل أكثر تركيزًا من أجل هذا العامل. لكن هذه ليست القصة كاملة، وربما هناك مصدرُ قلقٍ آخر وهو أن استمرار الحرب سيضعف في نهاية المطاف موقف حليفيها السودانيين، وسيضطر كل منهما إلى تقديم تنازلات للقوى السياسية وخاصة الإسلاميين، وهذا سيؤدي في المستقبل إلى مشاكل في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ولكن بصرف النظر عن النقاط المذكورة أعلاه، فإن النقطة هنا هي أن إسرائيل التي كانت تعتبرها الدول العربية ذات يوم عدوًا، قد ظهرت الآن كوسيط نشط وتتمتع بمثل هذا التأثير في نظام السلطة في نفس السودان الذي دعم حماس خلال الحرب زمن البشير حيث طلبت أمريكا منه آنذاك التوسط لوقف الصراعات بينهم. والحقيقة أن العديد من الحكام ورجال الدولة العرب وغير العرب في المنطقة اليوم يعتبرون إسرائيل بوابة العالم الغربي ويعترفون بتقوية العلاقات معها وخاصة أمريكا. وهم يعتقدون أنهم بهذه الطريقة يمكنهم التأثير على السياسات الأمريكية في المنطقة ومن أجل أنفسهم. في هذا الصدد تحول الجنرالان السودانيان، اللذان كانا في السنوات الماضية يتنافسان سرًا على السلطة تحت غطاء صداقتهما الظاهرة، إلى فتح العلاقات مع إسرائيل من أجل الحصول على دعم أمريكا والغرب وتحقيق التوازن بين بعضهما البعض. في الوقت الحاضر يعتبر كل منهما نفسه مضطراً أكثر من الآخر لتعزيز العلاقات مع إسرائيل.
هذه القضية جعلت حكومة نتنياهو ترى نفسها في موقع وسيط مؤثر وتدعو البرهان وحميدتي لزيارة إسرائيل. في غضون ذلك يقال إن وقف إطلاق النار تم التوصل إليه الليلة الماضية بوساطة أمريكية وإسرائيلية. كل هذه الأحداث تحدث في ظل استمرار الأزمة الداخلية لإسرائيل، ويأمل البعض أنه من خلال التركيز عليها وإبراز التصريحات والتحليلات الإسرائيلية ذات الاستهلاك الداخلي والتحذير من مخاطر الجانب الآخر في إطار الصراعات الداخلية، فإن هذه الأزمة ستؤدي إلى حدوث انهيار داخلي في النظام الإسرائيلي. رغم أن هذه الأزمة عميقة وغير مسبوقة، فمن غير المرجح أن تؤدي إلى حرب أهلية أو انهيار إسرائيل. من ناحية أخرى فإن حكومة نتنياهو إلى جانب محاولتها كسب الوقت وإدارة الأزمة الداخلية ، تعمل على تطوير العلاقات الخارجية في كل من المنطقة المحيطة بإيران في جنوب القوقاز (أذربيجان) وآسيا الوسطى (تركمانستان) وأفريقيا. وفي منطقة الخليج العربي، وعلى الرغم من التعثرات الأخيرة يبدو أن الأمراء الشباب وخاصة بن سلمان لم يتخلوا عن تعزيز العلاقات مع إسرائيل وقد نشهد أحداثًا مماثلة في المستقبل غير البعيد.
صابر گل عنبری