الكيان الصهيوني المستفيد الأول من “الصراع” في السودان
لم يكن المتغير الذي حصل في السودان عام 2019 على إثر الاحتجاجات الشعبية مجرد حدث عابر، بل شكل فرصة للكيان الإسرائيلي لمد ذراعيه في بلد عربي إفريقي مشهود له تاريخيا برفض الإحتلال ودعم المقاومة في مواجهته، وهو بلد الـ "لاءات الثلاث" التي حاولت تحصين القضية الفلسطينية
“إسرائيل” التي شنت قبل عقد ونصف العقد غارات جوية داخل هذا البلد استهدفت، كما كانت تقول، إمدادات أسلحة للمقاومة الفلسطينية، ترسلها إيران، وجدت نفسها أمام فرصة لا يمكن تفويتها عام 2019-2020، فشرعت إلى مد جسور تواصل مع القوى التي أسقطت حكم عمر حسن البشير وأمسكت بزمام الأمور ومفاصل الدولة، لا سيما الجهات العسكرية في الجيش وقوات الدعم السريع. فتحت “تل أبيب” قنوات اتصال مع أطراف عدة، منها من يتصارع الآن، وتوجت تلك الجهود بإسقاط “اللاءات الثلاث” واستبدالها بـ “النعم الثلاث”، كما عبر وزير خارجية الاحتلال ايلي كوهين اثر زيارة خاطفة الى هذا البلد منذ مدة.
تطمح “إسرائيل”، التي تربطها علاقة جيدة بدولة جنوب السودان، التي شجعت على انفصالها اثر استفتاء 2011، إلى توسيع حضورها أفريقيا، وهي بذلك نجحت في تأسيس علاقات قوية بدولة السودان ولو عبر الجنرالات. وهنا يرى العدو الإسرائيلي أن حضوره هناك سيمنحه تفوقًا أمنيًا، وحضورًا على البحر الأحمر بما يخدم توجهاته الأمنية والعسكرية، خصوصًا إذا ما نظرنا إلى المتغير الذي حصل في اليمن والذي يرى فيه الإسرائيليون تهديدًا للأمن البحري، كما يزعمون.
أمام المستجد في الأوضاع العامة في السودان، ودخول البلاد في صراع ما بات يعرف بـ “صراع الجنرالين”، لا يبدو أن “تل أبيب” بعيدة عن المشهد، وهي تتصرف على أن ما يجري يشكل فرصة جديدة لها لتوسيع حضورها هناك، وهي التي تربطها علاقات جيدة بطرفي الاقتتال، وهما سارعا في وقت سابق إلى كسب ود “تل أبيب”، وعملت الأخيرة على استيعابهما. عليه، يمكن القول إنه في كلا الحالتين، السلم أو الحرب الداخليين، هناك مصلحة إسرائيلية واضحة، وهو ما يحتاج إلى دقة في التعامل مع المتغيرات التي تحصل.
فإلي جانب المكاسب الأمنية والعسكرية والحضور عند ضفاف البحر الأحمر الغربية، تسعى “تل أبيب” إلى مكاسب اقتصادية وجعل السودان بوابة عبور لها إلى دول أفريقية أخرى، وهو ما لا تخفيه تصريحات أوساط إسرائيلية رسمية.
وعليه، في ظل التعتيم على أي أصوات رافضة للتطبيع، وكون الجهات المتصارعة تؤيد التطبيع وهي من تملك النفوذ والقوة، وكون العامل المدني غائب تماما عن المشهد، فإنه وللأسف تتعزز فرصة الكيان الإسرائيلي لأخذ مساحة لعب أوسع له، يحقق فيها مصالحه الخاصة، التي يرى فيها مكاسب استراتيجية على المدى الطويل تخدم أيضا أمنه القومي.