"القاهرة 2".. مفاتيح أبواب سلام السودان في مصر؟
"القاهرة 2".. مفاتيح أبواب سلام السودان في مصر؟
مضت ثلاثة أشهر، وما زالت السودان تعيش أيامها السوداء، منذ أن انفجر الخلاف بين الطرفين الرئيسين في الصراع على السلطة وهما الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الحاكم في السودان، والفريق أول محمد حمدان دقلو، نائبه في المجلس وقائد قوات الدعم السريع بسبب خطة مدعومة دوليا لبدء عملية الانتقال لمرحلة سياسية جديدة مع الأطراف المدنية.
وتنص بنود الخطة على أنه يتعين على كل من الجيش و"قوات الدعم السريع" التخلي عن السلطة، لكن أثير الخلاف على مسألتي الجدول الزمني والتوقيت، ما أدى إلى اندلاع الصراع العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 نيسان/أبريل، لسبب مباشر هو الاختلاف حول الاتفاق الإطاري للعملية السياسية، وأهم النقاط هي تبعية قوات الدعم السريع، إذ إن الاتفاق الإطاري ينص على تبعيتها لرئيس الوزراء المدني، وأن يتم دمجها في الجيش خلال 10 سنوات.
لكن الجيش اعترض على هذه الفقرة؛ لأنها تعني وجود جيشين بقيادتين مختلفتين، إضافة إلى أن الجيش يطالب بأن يكون الدمج خلال سنتين وبتبعية قوات الدعم السريع إلى القائد العام منذ اليوم الأول من توقيع الاتفاق الإطاري.
واتهم دقلو الجيش السوداني بالتخطيط للبقاء في الحكم، وعدم تسليم السلطة للمدنيين، بعد مطالبات الجيش بدمج قوات الدعم السريع تحت لواء القوات المسلحة، بينما اعتبر الجيش تحركات قوات الدعم السريع، تمردا ضد الدولة.
وكان من المقرر التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي لإنهاء الأزمة في السودان، في الأول من أبريل الماضي، إضافة إلى التوقيع على الوثيقة الدستورية، في السادس من الشهر ذاته، وهذا ما لم يحصل بسبب خلافات في الرؤى بين قادة القوات المسلحة وقادة قوات الدعم السريع، فيما يتصل بتحديد جداول زمنية لدمج قوات الدعم السريع داخل الجيش.
مبادرات بلا جدوى
لم تفلح حتى الآن مبادرات عدة للوساطة، في إيجاد أرضية لأي تفاهمات قد تثمر حلّا، وقد أبرم طرفا القتال منذ بدء المعارك، اتفاقات عدة لوقف إطلاق النار بوساطة سعودية-أميركية، لم يكن لها أي مفاعيل على الأرض مع تبادلهما الاتهام بخرقها.
كما أن القوى الغربية، ومنها الولايات المتحدة، لم تتخذ موقفا واضحا من المرحلة الانتقالية نحو إجراء انتخابات ديمقراطية بعد الإطاحة بالبشير، وعلقت هذه القوى الدعم المالي للسودان بعد الانقلاب، ثم دعمت خطة لإطلاق مرحلة انتقالية جديدة وتشكيل حكومة مدنية، إذ أكدت الولايات المتحدة في حزيران الماضي، أنها ما زالت مستعدة للقيام بوساطة بين المتحاربين في السودان شرط أن يكونوا "جديين" في مسألة الهدنة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية خلال زيارة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى أوسلو إن الولايات المتحدة والسعودية مستعدتان لاستئناف تسهيل المحادثات المعلقة لإيجاد حل تفاوضي لهذا الصراع عندما تظهر القوات بوضوح من خلال أفعالها أنها جدية في التزام وقف إطلاق النار.
كما بذلت السعودية والإمارات جهوداً لتشكيل مسار الأحداث في السودان، إذ تريان أن الانتقال للديمقراطية بعيداً عن حكم البشير سيؤدي للقضاء على نفوذ الإسلاميين وتعزيز الاستقرار في المنطقة، إذ حاولت الرياض وواشنطن إقناع الطرفين المتحاربين بتوقيع اتفاق حماية المدنيين ووقف إطلاق النار المؤقت.
أما روسيا فكان لها أيضاً حضور في المشهد إذ إنها تسعى لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر.
وتقود الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيغاد) مبادرة إقليمية عبر لجنة رباعية برئاسة كينيا تضم إثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان، وترافقت تلك الخطوة مع نقل رئاسة اللجنة من جنوب السودان إلى كينيا، وهو ما لقي معارضة من الخرطوم، وقد عقدت اللجنة الرباعية اجتماعا في أديس أبابا، غاب عنه البرهان ودقلو رغم دعوتهما إليه.
اليد المصرية تحاول فك عقدة الخرطوم
ترتبط مصر، بعلاقات طيبة مع البرهان والجيش السوداني، ودعمت في الآونة الأخيرة مسارا موازيا لإجراء مفاوضات سياسية من خلال الأطراف التي ترتبط بصلات قوية مع الجيش وحكومة البشير السابقة.
وقد أطلقت مصر في 13 يوليو محاولة جديدة للوساطة بين طرفي الصراع في السودان في قمة "دول جوار السودان"، التي دعا إليها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، واستضافتها القاهرة، وحضرها رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه، وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد ابو الغيظ، وقد اتفق المشاركون فيها على "تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار.
وقد أعرب القادة الأفارقة في هذه القمة عن قلقهم العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية، وتدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية، مناشدين الأطراف المتحاربة لوقف التصعيد والالتزام بوقف إطلاق النار لإنهاء الحرب"، وتجنُّب الخسائر البشرية والمادية، ومؤكدين أهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية جدياً، مع الأخذ بالاعتبار أن استمرارها سيترتب عليه زيادة النازحين، وتدفّق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار.
وجاءت هذه القمة في ظل تعثر الوساطات الدولية والإقليمية الأخرى، ومن مقرراتها عدم التدخل في شؤون السودان الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأناً داخلياً، وأهمية الحفاظ على الدولة السودانية، ومنع تفككها وانتشار الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها، وأهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة، بما يعيق جهود احتوائها ويطيل أمدها.
وأكدت المقررات أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر في السودان، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، بهدف بدء عملية سياسية شاملة، تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والاستقرار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان، عبر أراضي دول الجوار، وتشجيع العبور الآمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجاً داخل السودان، إضافة إلى دعوة الأطراف السودانية كافة لتوفير الحماية اللازمة لموظفي الإغاثة الدولية.
ووفقاً لبيان القمة، فإنّ هذا الوضع يقتضي "تحمُّل المجتمع الدولي والدول المانحة مسؤوليتهما في تخصيص مبالغ مناسبة من التعهدات، التي أُعلنت في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان"، الذي عقد يوم 19 حزيران/يونيو 2023 بحضور دول الجوار.
"القاهرة 2"، محاولة إتمام المهمة
أعلنت قيادة قوى "إعلان الحرية والتغيير" السودانية، عقد اجتماعٍ موسّع يومي الاثنين والثلاثاء، 24 و25 تمّوز/يوليو الجاري، في القاهرة، لمناقشة إنهاء الحرب الدائرة في البلاد، وسط مطالبات لطرفي الصراع بوضع حدٍ للمعارك، هذا الاجتماع الذي يكتسب أهميته لكونه الأول للحرية والتغيير بصورة مباشرة منذ اندلاع.
وسيجري قادة قوى إعلان الحرية والتغيير، التحالف المدني الرئيسي، خلال الاجتماع على مدى يومين مشاورات داخلية، وأخرى مع قيادات المجتمع السوداني الموجودة في مصر، حول وقف الحرب الدائرة، واستعادة الحكم المدني في البلاد، بُعيد إجراء نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار سلسة من الاجتماعات والمشاورات السياسية لبناء "منصة مدنية توافقية".
وقالت قوى الحرية والتغيير في بيان نشرته عبر تويتر "تفرض هذه التحديات والمتغيرات رؤى واضحة على رأسها ضرورة وقف الحرب، وقطع الطريق أمام مخطط النظام المباد وفلوله لتحويلها لحرب أهلية شاملة، واستعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي وفق رؤية سياسية تؤسس لبناء وطني جديد، ومعالجة آثار الحرب على السودانيين والسودانيات وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وكل ذلك عبر عملية سياسية تشمل جميع أهل السودان لا يستثنى منها إلا الحزب المحلول وواجهاته ورموزه وقياداته".
وأوضح البيان أن انعقاد هذا الاجتماع المفصلي والتاريخي في مصر أمر ذو دلالات سياسية عديدة تأكيدا على أن ما يجمع بين السودان ومصر وشعبي البلدين سيبقى وسيظل هو الأصل السائد.
وقدّمت القوى الشكر لجمهورية مصر العربية، مُعبّرةً عن تقديرها للقاهرة على استضافة السودانيات والسودانيين قبل الحرب وبعدها، إلى جانب حرص مؤسسات الدولة المصرية على تأدية دور محوري ومفصلي مع بلدان الجوار والإقليم والمجتمع الدولي، يسهم في إنهاء حرب السودان العبثية، وفتح الطريق لاستعادة السلام والأمن والاستقرار والديمقراطية.
وقد التقى عقار مع قادة قوى الحرية والتغيير لمناقشة كل الآراء والتوجهات لبناء توافق وطني حول القضايا الحساسة والمهمة في السودان، بهدف تعزيز الاستقرار والوحدة الوطنية وتحقيق التقدم الشامل في البلاد.
يقول خبير حفظ السلام الدولي السابق في البلقان، أيمن سلامة إنه "ليس هناك ما يمنع، ولا غضاضة في تزامن الوساطات العديدة، أو تواليها، من أجل تسوية أي نزاع، موضحاً أن الأمر كله بيد أطراف النزاع لا الوسيط، لأن الوساطة ليست إلزامية، فشروط نجاح وفاعلية أي وساطة، تتوقف على كون الوسيط مستقلاً محايداً غير منحاز، ولا يهدف إلى تحقيق مصالحه، ويهدف إلى غرضه الرئيس، وهو رأب الصدع والتوفيق، وتقريب وجهات النظر، وإذا كان طرفا النزاع لم يجلسا بعد معاً، فيجب أن يتوسط الوسيط لإجلاسهما.
لكن الدكتورة نجلاء مرعي الخبيرة بالشؤون الإفريقية اعتبرت أن تعدد المبادرات المطروحة لحل الأزمة السودانية يمنح فرصة لطرفي الصراع للتهرب. من المفترض أن تكون هناك مبادرة واحدة تطرح رؤية شاملة لمسارات الحل، وتتوحد حولها القوى الدولية والإقليمية، سواء العربية أو الإفريقية.
كما أشارت مرعي إلى أنه من الممكن للقاهرة خلال هذه المبادرة أن توفر منبراً واحداً لطرفي الصراع، أفضل بكثير من تعدد المنابر الأخرى، لأن القاهرة تطرح هذه المرة رؤية شمولية تتطرق إلى الأزمة الإنسانية والأزمة الإقليمية نتيجة احتدام الصراع في السودان، مبينة أن الرؤية المصرية المطروحة تحتوي على 3 مسارات، إنسانية، وعسكرية، وسياسية، في حين إن المبادرات السابقة، تحدثت فقط عن المسار الإنساني، نظراً لرفض طرفي الصراع الحديث عن وقف إطلاق النار، ولكن مصر تطرح رؤية جديدة تؤسس من خلالها لوجود توافق بين المكون المدني والمكون العسكري.
وتتعقد المهام أمام القاهرة، مع تعنت أطراف النزاع، وعدم القدرة على اجتراح حلول ترضي الطرفين، فهل تملك القاهرة التأثير الناجم عن الدراية الكاملة بمفردات الصراع، وبالتالي تملك شيفرات الخلاص، أم إن المهمة لن تنجز، وستضاف إلى أرشيف المحاولات؟
المصدر: الوقت