الردّ الصاروخي من لبنان… بين رسائل المقاومة وخيارات الكيان المأزوم
بعد الردّ الأول من قطاع غزة، على تمادي جنود الاحتلال والمستوطنين الصهاينة في عدوانهم على المسجد الأقصى والمصلين فيه، جاء الردّ الثاني للمقاومة الفلسطينية من جنوب لبنان، بقصف المستعمرات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة، مما أحدث صدمة في كيان الاحتلال حيث لم يكن قادة العدو يتوقون حصول ذلك.. فهذه هي المرة الأولى التي يجري فيها إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان في غضون عشر دقائق، منذ عام 2006.. في حين كان لافتاً حجم الارتباك الصهيوني والحذر من الردّ على هذا القصف للمقاومة، وسط حديث وسائل الإعلام والصحف “الإسرائيلية” والمحللين الصهاينة عن استبعاد وقوف حزب الله المقاوم وراء هذا القصف، وانّ ردّ الجيش “الإسرائيلي” يجب أن يكون محدوداً ويستهدف المناطق التي انطلقت منها الصواريخ.
فيما ذهبت صحيفة “هآرتس” حدّ دعوة حكومة العدو إلى الحدّ من التوتر في القدس والأقصى لتجنب تصعيد واسع…
على انّ ذلك طرح الأسئلة بشأن الرسائل التي أردت فصائل المقاومة الفلسطينية، ومن ورائها أطراف قوى المقاومة، وفي طليعتها المقاومة في لبنان، أرادت توجيهها إلى قادة كيان الاحتلال.
كما طرحت طبيعة الخيارات المطروحة أمام حكومة العدو برئاسة بنيامين نتنياهو، هل تقدم على ردّ واسع، ام تلجأ إلى ردّ محدود؟
أولاً، رسائل المقاومة… في هذا السياق يمكن تسجيل جملة من الرسائل:
الرسالة الأولى، انّ المسجد الأقصى من الخطوط الحمراء لدى المقاومة الفلسطينية وأطراف حلف المقاومة، وانّ “إسرائيل” إذا ما اعتقدت أنه بإمكانها تهويد الأقصى عبر فرض التقسيم الزماني والمكاني فيه، على غرار ما حصل في الحرم الابراهيمي، فإنها ستدفع الأوضاع الى تفجير شامل، ليس فقط باندلاع انتفاضة شاملة أنحاء فلسطين المحتلة، بل ستقود إلى مواجهة واسعة مع كلّ أطراف محور المقاومة، التي أعلنت أكثر من مرة أنها لن تقف متفرّجة على تهويد الأقصى.. أو تهجير السكان العرب الفلسطينيين من القدس المحتلة…
الرسالة الثانية، انّ كيان الاحتلال لا يمكن له الاستفراد بالشعب الفلسطيني في القدس والاقصى، وان معادلة وحدة الساحات، التي نجحت المقاومة في فرضها، خلال معركة سيف القدس، حاضرة بقوة، وانّ المقاومة على أتمّ الاستعداد والجاهزية للدخول في مواجهة شاملة، وهي تملك الشجاعة والجرأة في هذا الشأن، كما اكدت ذلك عندما فتحت معركة سيف القدس…
الرسالة الثالثة، على نتنياهو أن يعرف جيداً أنه لا يستطيع تصدير أزمته الداخلية ودفع الصهاينة للالتفاف حول حكومته، عبر تصعيد عدوانه ضدّ الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى في محاولة مكشوفة لوضع مخطط تهويده موضع التنفيذ العملي…
الرسالة الرابعة، على العدو أن يدرك جيداً أنّ معركة الدفاع عن الأقصى وعروبة القدس لن تكون معركة المقاومة الفلسطينية وحدها، وإنما ستكون أيضاً معركة كلّ قوى المقاومة والاحرار في الأمة، وبيان حزب الله المقاوم بإعلان الوقوف وراء ما تراه فصائل المقاومة الفلسطينية مناسباً للدفاع عن المسجد الأقصى، إنما هو رسالة غير مباشر لقادة الاحتلال في هذا الاتجاه..
ثانياً، خيارات كيان الاحتلال
أنّ التدقيق في الخيارات التي قد تلجأ إليها حكومة العدو، للردّ على قصف المقاومة الفلسطينية، يتبيّن أنّ حكومة العدو في وضع مأزوم على هذا الصعيد، للأسباب التالية:
السبب الأول، انّ الكيان الصهيوني غارق في أزمة داخلية بنيوية، ناتجة عن الأمور التالية:
الأمر الأول، تعمّق الانقسام السياسي والمجتمعي، بين الأحزاب العلمانية، والأحزاب الدينية، وبين يهود غربيين، ويهود شرقيين إلخ… وذلك على خلفية سعي نتنياهو إلى إقرار تعديلات على التشريعات القضائية تمكنه من التحكم بالقضاء، بهدف حماية نفسه ومستقبله السياسي من الملاحقة بتهم الفساد…
الأمر الثاني، تآكل قوة الردع الصهيونية، بعد هزائم جيش الاحتلال أمام المقاومة في لبنان وقطاع غزة وفشله في تحقيق أهداف حروبه.. واضطراره إلى التراجع أمام معادلة توازن الرعب والردع التي فرضتها المقاومة في لبنان خلال عدوان 2006، والمقاومة في قطاع غزة خلال اعتداءات العدو المتكررة للقضاء على المقاومة، وقدراتها الصاروخية، التي مكنتها من فرض هذه المعادلة..
الأمر الثالث، أنّ المؤسسة العسكرية الصهيونية، لا تؤيد الذهاب إلى حرب واسعة مع أطراف قوى المقاومة، وهي تفضل العودة إلى التهدئة، ووقف التصعيد في المسجد الأقصى والقدس المحتلة، لأنّ الجيش “الإسرائيلي” الذي لم يتمكن من تحقيق النصر على المقاومة في لبنان في حرب 2006، غير قادر على تحقيق النصر في حرب ستنخرط فيها كلّ أطراف محور المقاومة من قطاع غزة ولبنان، والعراق واليمن مدعومة من سورية وإيران… وانّ مثل هذه الحرب قد تقود إلى نتائج عكسية تهدّد بالخطر وجود الكيان برمّته، لا سيما في ظلّ إعلان المقاومة في لبنان جاهزيتها لتحرير الجليل الفلسطيني المحتلّ في ايّ حرب مقبلة…
الأمر الرابع، أنّ ايّ حرب واسعة في المنطقة تحتاج الى غطاء وموافقة الولايات المتحدة، وهو ما لا تؤيده واشنطن، لأنها لا تريد ما يبعد الأنظار عن حربها ضدّ روسيا على الأراضي الاوكرانية… ولهذا حث المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الامريكي جميع الأطراف على تجنب التصعيد…
الأمر الخامس، أنّ التحوّلات الحاصلة في المنطقة باتت تجري في غير مصلحة كيان الاحتلال، لا سيما بعد الاتفاق السعودي الإيراني الصيني، والانفتاح العربي على سورية، وتلاشي أحلام نتنياهو في إقامة حلف عربي “إسرائيلي” في مواجهة إيران.. ولهذا في حال اندلاع حرب واسعة عنوانها الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس، في ظلّ هذه التحوّلات الإقليمية والعربية، فإنّ قوى المقاومة ستحظى بالدعم والتأييد الواسع عربياً وإسلامياً…
انطلاقاً مما تقدّم يبدو أنّ كيان الاحتلال مضطر إلى عدم التصعيد، وقصر ردّه على استهداف مناطق إطلاق الصواريخ في جنوب لبنان، وهو ما عبّر عنه بوضوح موقف الجيش “الإسرائيلي”، حيث قال المحتدث باسمه امنون شيفلر للصحافيين: “لا نرغب في التصعيد إلى حرب شاملة، لكننا بالطبع مستعدون لذلك، وسنعمل ما هو مطلوب”.
فيما قال الصحافي “الإسرائيلي” يوآف زيتون:
“قد يسارع المستوى السياسي والعسكري بتوجيه إصبع الاتهام للفصائل الفلسطينية في جنوب لبنان بأنها المسؤولة عن إطلاق الصواريخ وذلك بهدف إبعاد حزب الله عن الحدث وتبرير عدم قيام “إسرائيل” بردّ نسبي ومحدود على الحدث”.
حسن حردان