البرنامج النووي السعودي والتحديات المرتقبة
عصا النووي تلوح في وجه التطبيع بين الرياض وتل أبيب
يبدو أن لدى السعودية توجهات رسمية لتطوير برنامجها النووي مدفوعة بجملة من العوامل المختلفة على رأسها العامل الاقتصادي ومن ثم الأمني والسياسي، فالطموحات النووية للسعودية قديمة حديثة حيث كانت تطمح وتعمل على تطوير منشآت لإنتاج الطاقة النووية والبدء باستخدام اليورانيوم المحلي لإنتاج الوقود النووي.
وللسعودية اتفاقيات تعاون ثنائية في مجال الطاقة النووية مع عدد من الدول، مثل فرنسا والأرجنتين وكوريا الجنوبية وكازاخستان لبناء 16 مفاعلاً نووياً بحلول العام 2040، بكلفة تتعدى 80 مليار دولار، بغرض تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية، واستخدامها لتشغيل محطات تحلية المياه.(1)
وتعد الطموحات السعودية في اللجوء إلى خيارات الطاقة النووية للاستخدامات المدنية جزءاً من طموحات مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي، الذي أقر عام 2006 برنامجاً مشتركاً للدول الست كما أن الخطط النووية السعودية مدرجة في رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن النفط الذي يشكل أكثر من 90% من إيرادات الموازنة.(2)
وكان زير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان قد كشف في وقت سابق عن أن بلاده تمتلك "كميات كبيرة من اليورانيوم، وأنها تسعى لاستغلالها تجارياً بالشكل الأمثل". وأضاف أن المملكة سوف تتعامل مع احتياطيات اليورانيوم بكل شفافية، وأنها بصدد البحث عن الشركاء المناسبين، حسب تعبيره. (3)
وفي المقابل تعتبر المسألة النووية من أبرز التحديات الوجودية التي تطرحها الحكومات الإسرائيلية مع الإدارة الأمريكية، وهذه التحديات التي يتحدثون عنها، لا تتعلق فقط بالدول المعادية لـ (إسرائيل) بل أيضاً بالدول الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأمريكية حيث يتحدث اليوم مسؤولون في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عن مؤشرات مقلقة حول ما قد يفعله السعوديون في برنامجهم النووي، رغم أن التعاون فيه يتم مع الأمريكيين وليس مع روسيا أو الصين، وهذا التعاون بالنسبة للإسرائيليين لا يعني القبول أو الرفض، بل يعني ضرورة الحفاظ على التفوق النووي والاستراتيجي للإسرائيليين الذين يرفضون أي تغيير فيه حتى مع الدول المطبعة، وذلك بسبب تخوفهم من حدوث تغيير يطال الأنظمة ذات العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
وقد عاد الحديث عن البرنامج النووي السعودي مع توقع عدم اعتراض بنيامين نتنياهو على تخصيب اليورانيوم في السعودية مقابل توقيع اتفاق تطبيع مع السعودية، على الرغم من اعتبار مسؤولين إسرائيليين هذا الأمر يتناقض مع الاستراتيجية الإسرائيلية التي تضع بعين الاعتبار احتمال وصول مركبات نووية إلى أيدي معادية إلا أن نتنياهو دحض هذا التوقع من خلال بيان صدر عن مكتبه يوم مؤخرا أكد فيه أن سياسة إسرائيل لا تزال تعارض البرامج النووية في الشرق الأوسط، وفقاً لصحيفة جيروزاليم بوست "الإسرائيلية".
وجاء البيان بعد مقابلة مع وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر لم يستبعد فيها الوزير وجود برنامج نووي سعودي مدني حيث أشار مكتب رئيس الوزراء إلى أن ديرمر قال "إن إسرائيل لم توافق أبدًا على برنامج نووي لأي من الدول المجاورة لها"، وأضاف: "كانت هذه وستظل سياسة إسرائيل". ومع ذلك، لم يقولوا أي شيء عن السياسة المستقبلية مضيفا أن "رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قدم أربع اتفاقيات سلام تاريخية عززت فقط أمن "إسرائيل" ومكانتها وهذا ما سيواصل فعله".(4)
وكما جرت العادة تأتي المواقف الأمريكية داعمة لمواقف الاحتلال الإسرائيلي ومدافعة عن أمنه ووجوده حيث تمثل الموقف الأمريكي برفض التجاوب مع المشروع النووي السعودي، وقد طرحت واشنطن شروطاً شديدة الصرامة لمنع الرياض من إمكانية تطوير أسلحة نووية، وذلك بهدف منع سباق التسلح النووي في المنطقة.
في الوقت نفسه، سلط تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، نُشر في آذار الماضي، الضوء على العرض الذي قدمته الرياض لواشنطن بإمكانية تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي مقابل منح واشنطن الضوء الأخضر للسعودية لتطوير برنامج نووي مدني، وزيادة في الضمانات الدفاعية الأمريكية لصالح الرياض، وذلك ضمن عدة مواضيع طرحتها الرياض على إدارة بايدن خلال محادثات العام الماضي في حين أنه خلال حكومة ترامب كانت الولايات المتحدة أكثر مرونة مع طموحات المملكة النووية. حيث أعرب عدد من الشركات الأمريكية أمثال “كونسورتيوم” و”ستنغهاوس” عن إمكانية الاستثمار في البرنامج النووي السعودي المقترح، وسمحت إدارة ترامب لشركات أمريكية بتبادل المعلومات التكنولوجية الحساسة مع السعودية، إلا أن الكونجرس الأمريكي وقف عقبة أمام التفاهمات السعودية-الأمريكية.(5)
ويرى مراقبون أنه بالرغم من أن السعودية هي حليف لـ "إسرائيل" إلا أن الأخيرة لا تريد لها أن تمتلك أي قوة وهو النهج الذي تسير عليه "إسرائيل" المتمثل في التطبيع بما لا يتعارض مع مخططاتها ومن دون أن يشكل أي خطر مستقبلي على وجودها، فوجودها الأهم أياً يكن الحليف، إذ ممكن أن تتحالف مع أي دولة توفر لها شروط الأمن والاستقرار في محيط يلفظها حتى لو انخرط الكثير من ذاك المحيط في سياق التطبيع لكن النقطة الأهم أن التطبيع يتم على المستوى الرسمي، لكن المستوى الشعبي يرفض "اسرائيل"، وهنا القصة فالشعوب قوة لا يمكن الاستهانة بها مهما كان من أمر حكامها.
والسؤال الذي يطرح بقوة اليوم في خضم المشروع النووي السعودي، هو هل من الممكن أن تتحول السعودية إلى عدو وشبح مرعب بالنسبة لـ " إسرائيل"؟ وهذا بلا شك يندرج تحته انسحاب السعودية من الفلك الأمريكي الإسرائيلي إلى الفلك الإقليمي، والذي يدفع نحو هذا السؤال قيام السعودية باختيار شركاء جدد واستراتيجيين يدعمونها ويساهمون في تنميتها فالعلاقات الجيدة تثمر شراكات جيدة أي من الممكن أن يساعد الشركاء الجدد في مشروعها النووي وهنا ستكون الطامة الكبرى لـ "إسرائيل".
المصادر:
1- https://cutt.us/bQf2C
2- https://cutt.us/9lc2H
3- https://cutt.us/oIXpv
4- https://cutt.us/vLi52
5- https://cutt.us/NEjoB