الانتخابات التركية : الاقتصاد والخلافات الداخلية
سنشهد عام 2023 تغييرا عسكريا وسياسيا مستمرا في جميع أنحاء العالم لكن نستطيع القول بجراة إن الانتخابات التركية ستكون واحدة من أكثر الانتخابات فعالية في المنطقة هذا العام. يصادف هذا العام الذكرى الـ 100 لتأسيس الجمهورية التركية ، ويتوقع الكثيرون أن تكون الانتخابات المقبلة نوعا من "الاستفتاء" على عمل حزب العدالة والتنمية أو الحكومات العلمانية في البلاد ، وهي نقطة تحول تحدد كيف سيبدو مستقبل البلاد التي يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة على المدى القصير والطويل.
في الواقع قد تكون هذه الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخ جمهورية تركيا. لا يتعين على المواطنين الأتراك فقط الاختيار بين الحكومة المركزية والمحافظة الحالية والمعارضة اللامركزية نسبيا، ولكن عليهم أن يقرروا ماهو النظام الذي يفترض أن تمتلكه تركيا من بين أنظمة الحكم السياسي المتنوعة.
تتزامن هذه الانتخابات مع العديد من التحديات الاقتصادية لتركيا وسيكون لذلك تأثير كبير على نتائج الانتخابات. من بين تحديات حزب العدالة والتنمية ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية وزيادة البطالة. هذه المشاكل تضر بمكانة وقدرة الحكومة الحزبية الحالية في تركيا. يمتلك أردوغان كل أدوات السياسة الاقتصادية والنقدية بين يديه، لكنه رسمها في الاتجاه المعاكس. خفض سعر الفائدة القياسي خفض قيمة الليرة بشكل كبير العام الماضي، لكنه سمح للصادرات بالوصول إلى مستوى قياسي بلغت 254 مليار دولار.
ومع ذلك ارتفعت الواردات إلى 364 مليار دولار مسجلة ذروة جديدة. كما وصل عجز الحساب الجاري وهو مقياس ميزان مدفوعات تركيا مع مناطق أخرى من العالم ، إلى 10 مليارات دولار في شهر يناير.
إذا نظرنا إلى نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في عام 2019 ، يمكننا أن نجد أن فوز ممثلي المعارضة في المدن الكبيرة (اسطنبول ، أنقرة ، إزمير ، إلخ.) كان مرتبطا بشكل أساسي بالمشاكل الاقتصادية ، على الرغم من أنه في هذه الحالة، كان دعم مرشحي المعارضة من قبل قوات الحزب الموالية للأكراد عاملا مهما أيضا.
من ناحية أخرى ، تدرك حكومة أردوغان جيدا أهمية الوضع الاقتصادي فيما يتعلق بنتيجة الانتخابات. بدأ أردوغان بالفعل استعدادات جادة للحد من المشاكل الاقتصادية للناخبين العاديين. جمع عشرات المليارات من الدولارات في الداخل والخارج للحفاظ على سعر الليرة التركية. للقيام بذلك أدخل البنك المركزي التركي 108 مليار دولار أمريكي في الدورة الاقتصادية للبلاد العام الماضي وحاول السيطرة عليها من خلال تسهيل اللوائح المختلفة لتنظيم الزيادات في الأسعار وخاصة على أسعار المواد الغذائية وإيجارات المساكن. في يناير رفع الحد الأدنى للأجور بشكل كبير حيث ازدادت من 5500 ليرة (حوالي 300 دولار أمريكي) إلى 8500 ليرة (حوالي 4450 دولار أمريكي).
كان لهذه الإجراءات آثارها الإيجابية ، وزادت ميزة أردوغان والحزب الحاكم في عدة أماكن في تركيا، حيث حصل بشكل أساسي على أصوات الناخبين بلا تكليف أو إغراء. ومع ذلك لا أحد يعرف كم من الوقت يمكن الحفاظ على سعر الصرف من خلال هذه الأساليب التضخمية ، ويعتبر انخفاض قيمة العملة من قبل معظم الناخبين العاديين أزمة اقتصادية كبيرة، وبالتالي يمكن القول أن أي حزب وفصيل يمكن أن يفوز في هذه الانتخابات مع أي نهج، فإن القضية الرئيسية ستكون الاقتصاد.
تصنف المعارضة باللامركزية ولكنها منفتحة وذات قومية بارزة و إذا فازت بالحكم ستعود البلاد إلى النظام السياسي ونظام الإدارة البرلمانية ، وتعيد ملايين السوريين الذين يعيشون في البلاد وحل التحديات الاقتصادية التي تواجه تركيا.
لكن استطلاعات الرأي تظهر زيادة في الإحباط بين الناخبين، ويذهب الأتراك إلى صناديق الاقتراع بخيبة أمل من المسار المستقبلي للبلاد. عدد لابأس به من الناخبين غير راضين عن حزب العدالة والتنمية وقد يسعون للتصويت لحزب آخر غير الحزب الحالي.
كما ذكرنا، فإن الاقتصاد ذو أهمية كبيرة للناخبين. يلقي عدد متزايد من الناخبين باللوم على الأزمة الاقتصادية في البلاد على حزب العدالة والتنمية، على الرغم من أن خيبات الأمل الشديدة قد لا تؤدي إلى انتصار حاسم للمعارضة ، حيث لا يزال العديد من ناخبي حزب العدالة والتنمية الساخطين لا يعتقدون أن أحزاب المعارضة يمكنها حل المشاكل الاقتصادية للبلاد. وأدى ضعف الاقتصاد إلى جانب تأثير الزلازل الذي قتل أكثر من 50000 شخص في جنوب البلاد في أوائل فبراير وشرد 3.3 مليون شخص إلى تعتيم المشهد الانتخابي لحزب أكبارتي.
ومع ذلك هناك أمران لا ينبغي إغفالهما: أولا يواجه أردوغان ائتلافا من سبعة اتحادات و من الانقسامات الداخلية ومن ناحية أخرى، سيواجه حزب العدالة والتنمية معارضة قوية في البرلمان من قبل حزب الأكبارتي، لدرجة أن المحللين يشيرون إلى أن الخلافات بين الأحزاب سوف تمتد إلى المجتمع وبعد الانتخابات ستكون هناك صراعات داخلية وأعمال شغب.
حسام السلامة