أزمة "العصيان العسكري" في الجيش الإسرائيلي توسع مستنقع "نتنياهو" السياسي
أزمة "العصيان العسكري" في الجيش الإسرائيلي توسع مستنقع "نتنياهو" السياسي
خرج مئات من جنود الاحتياط الإسرائيليين في مسيرة في تل أبيب يوم الأربعاء مهددين برفض الخدمة التطوعية إذا مضت الحكومة قدما في خطتها المثيرة للخلاف للحد من سلطة المحكمة العليا. وأثارت مساعي الائتلاف الحاكم المؤلف من أحزاب دينية وقومية بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتجريد المحكمة من بعض الصلاحيات احتجاجات حاشدة في عموم إسرائيل وقلقا عميقا لدى دول حليفة من بينها الولايات المتحدة. واشتدت الاحتجاجات مع اقتراب موعد تصويت البرلمان على مشروع قانون بأحد هذه التعديلات يومي الأحد والاثنين الأسبوع المقبل. وقال أحد الوزراء إن الحكومة يمكن أن تعيد التفكير في مساعيها المثيرة للانقسام لإقرار التعديلات القضائية إذا شهدت الاحتجاجات تصعيدا كبيرا.
ولاقت احتجاجات جنود الاحتياط من بعض أبرز وحدات الجيش، بما في ذلك الطيارون المقاتلون ووحدات القوات الخاصة، اهتماما خاصا إذ حذر كبار مسؤولي الدفاع الذين يتملكهم القلق من أن الاحتجاجات تشكل تهديدا للأمن القومي. وشن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -اليوم الاثنين- هجوما حادا على رافضي الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال احتجاجا على خطة حكومته لتعديل النظام القضائي، وفي حين دعا زعيم المعارضة يائير لبيد حكومة نتنياهو لوقف هذه الخطة والتوصل إلى تسوية، يتجه الرئيس الأميركي جو بايدن لإجراء اتصال هاتفي مع نتنياهو بعد تزايد الاحتجاجات المناهضة للتعديلات القضائية.
وعقب خروجه من المستشفى يوم الأحد الماضي ترأس نتنياهو صباح اليوم اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي بعد تأجيله بسبب نقله إلى المستشفى يومي السبت والأحد. واستهل نتنياهو الجلسة بشن هجوم قوي على رسائل الرفض التي وقعها قادة ومجندون من جيش الاحتلال الإسرائيلي وجيش الاحتياط، وقال "في الدول الديمقراطية، يخضع الجيش للحكومة وليس العكس، بينما في النظام العسكري تكون الحكومة تابعة للجيش، أو لمجموعة داخل الجيش بتعبير أدق، وهذا هو الفرق الأساسي بين الديمقراطية والنظام العسكري".
واعتبر نتنياهو أن رفض الخدمة العسكرية والدعوات للامتناع عن الامتثال لأوامر الاستدعاءات من الجيش "بحد ذاتها مخالفة للديمقراطية والقانون"، وقال أمام الاجتماع إن "التحريض على العصيان، والعصيان في حد ذاته، مخالف للديمقراطية، ولا يمكن أن تكون هناك جماعة داخل الجيش تهدد الحكومة المنتخبة. ولن تقبل الحكومة الرفض وستعمل ضده لضمان سلامة أبنائنا". واستطرد قائلا إن "دعوات الرفض تنخر في قوة الردع في وجه أعدائنا، الذين يمكن بسهولة إغراؤهم لتنفيذ أعمال عدوانية ضدنا، وهي تقوض الانضباط داخل الجيش الذي هو أساس وجود الجيش في المقام الأول".
حديث الشرعية
وفي المقابل، قال زعيم المعارضة في إسرائيل يائير لبيد إن الحكومة تقود البلاد نحو كارثة، ودعاها لوقف التعديلات القضائية والتوصل إلى تسوية. من جهتها، أصدرت مجموعة "احتجاج جنود الاحتياط" التي تشارك في تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات على خطة إضعاف القضاء، بيانا مقتضبا جاء فيه أنه "أقسمنا على أن نخدم المملكة، وليس الملك". واعتبرت المجموعة أن "نتنياهو أصبح يدرك حجم الأحداث. الآلاف من جنود الاحتياط لن يسمحوا له بتحويل إسرائيل إلى دكتاتورية والقضاء على جيش الشعب".
ووجهت المجموعة دعوات إلى وزير الدفاع يوآف غالانت للوقوف في وجه التعديلات القضائية، وقالوا إن "وزير الدفاع الأسبق موشيه ديان لم يكن يرى في عام 1973، وأنت تتجاهلنا اليوم، لكننا أقسمنا أن نخدم المملكة، لا الملك". وشددوا على أن نتنياهو "فقد شرعيته"، واعتبروا أن "رئيس الحكومة الذي يهتم لأمر جنوده لا يتخلى عنهم ويتركهم لمواجهة مصيرهم في محكمة العدل الدولية في لاهاي". بدورهم، قال رافضو الخدمة العسكرية من عناصر الاحتياط التابعين لوحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")، ردا على نتنياهو، "خدمنا على مر السنين في القوات النظامية وقوات الاحتياط في ظل حكومات مختلفة، بما في ذلك تلك التي روجت لسياسات تخالف توجهاتنا".
واعتبر عناصر الاحتياط في وحدة العمليات الخاصة و"السايبر الهجومي" التابعة للاستخبارات العسكرية أن نتنياهو "في حالة ذعر"، وخاطبوه قائلين "لا تعلمنا عن جوهر الديمقراطية، فمن الواضح أنك تخطط لإقالة المستشارة القضائية للحكومة والعاملين على إنفاذ القانون في اليوم التالي لإلغاء حجة المعقولية". وفي غضون ذلك، ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن منظمي الاحتجاجات يعتزمون الإعلان عن تجنيد أكثر من 20 ألف شخص يرفضون التطوع في قوات الاحتياط التابعة لمختلف التشكيلات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك وحدات النخبة، مضيفة أن منظمي الاحتجاجات جمعوا تواقيع بأسماء جميع هؤلاء الرافضين للخدمة العسكرية احتجاجا على إضعاف القضاء.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي قد عقد أمس الأحد اجتماعا عاجلا مع كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي، لمناقشة تأثير الاحتجاجات المتصاعدة على خطة إضعاف جهاز القضاء، على كفاءة الجيش الإسرائيلي، في ظل اتساع ظاهرة التهديد برفض الخدمة العسكرية في قوات الاحتياط والقوات النظامية، إذا أقر الائتلاف الحكومي تشريعاته القضائية. ونقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية اليوم عن ضباط رفيعي المستوى في جيش الاحتلال قولهم "إن ضرر التعديلات القانونية على التماسك الداخلي في الجيش الإسرائيلي ملموس بالفعل"
السيناريوهات المطروحة لهذه الأزمة:
أولًا: سيناريو فقدان الجيش قدرته العملياتية
هذا السيناريو قد يحدث بفعل تعاظم إعلان ضباط وجنود الخدمة الاحتياطية في الوحدات الحسّاسة –سلاح الجو شعبة الاستخبارات، الدفاعات الجوية -الامتناع عن التطوع في الجيش، فجنود وضباط الاحتياط هم العمود الفقري للوحدات الحساسة في جيش الاحتلال، وعلى سبيل المثال فإن الواحد منهم يعمل خلال أيام الأسبوع في شركة تجسس خاصة، وهناك أيام وساعات أخرى من الأسبوع يتطوّع فيها في وحدته. أوساط رفيعة من جيش الاحتلال أبلغت القناة 12 الأسبوع الماضي أن الجيش الإسرائيلي سيفقد قدراته العمليات في حال أصر المئات من جنود وضابط الوحدات الحساسة من الخدمة الاحتياطية خصوصًا سلاح الجو وأقسام متعددة من الاستخبارات والدفاعات الجوية، على قرارهم، وفي تلك الحالة فإن وزير الجيش يوآف غالانت سيجد نفسه مضطرًا للطلب من نتنياهو التراجع عن "الانقلاب القضائي"
ثانيًا: سيناريو تدخل المحكمة الإسرائيلية العليا لإلغاء القانون
زعيم حزب "يسرائيل بينتو"، أفغيدور ليبرمان كان قد طالب بعد مصادقة الكنيست بالقراءة الأولى على القانون، المحكمة العليا بالتدخّل لإلغائه.وسبقت دعوات ليبرمان، ولحقتها مطالبات مشابهة طرحها خبراء القانون الدستوري في "إسرائيل"، والذين حذّروا من إمكانية حدوث أزمة دستورية وصدام بين السلطات، في ظل المساعي لإدراج هذا التشريع في قانون أساس. خبير القانون الدستوري والإداري، والمحاضر في كلية الحقوق في جامعة بار إيلان، البروفيسور أريئيل باندور أكد للقناة 12 أنّ بمقدور المحكمة العليا إلغاء القانون إذا رأت أنه يشكِّل إساءة لاستخدام السلطة التأسيسية التي يستمد الكنيست منها صلاحية تشريع قوانين أساس. وأضاف باندور أن "الحديث يدور حول بند جديد في قانون أساس، وليس قانونًا عاديًا، وطبقًا للمحكمة العليا فثمة قيود على صلاحيات الكنيست لتشريع قانون أساس يحمل الصفة الدستورية
ثالثًا: سيناريو "شارع في مواجهة شارع"
تحظى التعديلات القضائية ومن بينها "إلغاء سبب المعقولية"، بدعم الائتلاف الحكومي الذي يستند لقاعدة جماهيرية في معظمها تقطن خارج منطقة تل أبيب الكبرى، في الجنوب والنقب والقدس والأطراف المهمّشة اقتصاديًا، وفي أوساط اليهود الشرقيين، والحريديم المشتددين دينيًا، بينما معارضة هذه التعديلات لا تقتصر على المعارضة السياسية، بل تتعداها لنخب وقطاعات واسعة، بدءًا من القطاع الاقتصادي المهتم بتداعيات إضعاف القضاء على تراجع الاستثمارات الخارجية، مرورًا بالأكاديميين والباحثين الذين يخشون أن تتراجع دول العالم عن تمويل أبحاثهم بحجة أنهم يتواجدون في دولة غير ديمقراطية، وصولًا إلى ضباط وجنود جيش الاحتلال وجهاز "الشاباك" الذين يرون في المحكمة العليا قبة حديدية تحول دون ملاحقتهم ومحاكمتهم بتهم ارتكاب جرائم حرب في الدول التي يتيح قضاؤها محاكمة مجرمي الحرب من الدول التي لا توجد فيها منظومة قضاء نزيهة.
التقديرات السائدة في أوساط قادة حزب "الليكود" الذين تحدّثوا مع نتنياهو في الأيام الأخيرة، وفقًا لصحيفة "هآرتس" تشير إلى عزمه مواصلة التقدّم نحو تشريع قانون إلغاء حجة المعقولية، حتى لو بلغت الاحتجاجات ذروتها كما حدث قبل أشهر، عندما أقال وزير جيشه، واضطر بعد ذلك للاستجابة لمبادرة الرئيس الإسرائيلي يستحاك هرتسوغ وتجميد التشريعات والشروع في حوار مع المعارضة. ذات الأوساط القيادية في الليكود أضافت للصحيفة أنّ نتنياهو عاقد العزم على تشريع مقترح القانون حتى في ظل التهديد بالامتناع عن تأدية الخدمة العسكرية من جانب ضباط وجنود الاحتياط من سلاح الجو والجيش بشكل عام، طالما بقيت الاحتجاجات بنفس حجم الجولة السابقة.
المصدر: الوقت