هل ستنجو فرنسا؟

أصبحت أزمة نقص الأطباء في فرنسا في السنوات الأخيرة تشكل تحديًا خطيرًا للنظام الصحي بسبب السياسات التعليمية التقييدية والتغيرات الديموغرافية وأنماط العمل الجديدة وهجرة الأطباء (وصول الأطباء الأجانب).

مايو 20, 2025 - 04:31
 60
هل ستنجو فرنسا؟
هل ستنجو فرنسا؟

أصبحت أزمة نقص الأطباء في فرنسا في السنوات الأخيرة تشكل تحديًا خطيرًا للنظام الصحي بسبب السياسات التعليمية التقييدية والتغيرات الديموغرافية وأنماط العمل الجديدة وهجرة الأطباء (وصول الأطباء الأجانب). ولإدارة هذه الأزمة وضعت الحكومة برامج متعددة مثل زيادة القدرات في المجال الطبي، وفرض غرامات على التغيب عن المواعيد الطبية وتوسيع دور المهن الصحية الأخرى لكن التوزيع غير العادل للأطباء بين مناطق المدينة والريف لا يزال مشكلة قائمة. إذا استمر الاتجاه الحالي فسيكون هناك نقص في الأطباء وسوف تزداد مشاكل المرافق الصحية والطبية مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام السياسي والاجتماعي في فرنسا. 

على مدى العقود الماضية واجه النظام الصحي الفرنسي أزمة خفية ولكنها عميقة أدت إلى تحويل النقص في الأطباء إلى مشكلة واضحة. من سبعينيات القرن الماضي إلى عام 2019 وضع قانون "نيموروس كلوسوس" سقفًا محددًا لقبول طلاب الطب في السنة الدراسية الثانية، مما أدى إلى انخفاض تدريجي في الالتحاق بالمهنة الطبية وانخفاض في كثافة الأطباء بنسبة 8% بين عامي 2012 و2022. ومع إقرار خطة "صحتي 2022"، أُزيل هذا القيد تدريجيًا. ومن المقرر أن تتضاعف القدرة الاستيعابية للقبول بحلول عام 2027 ولكن نظراً لطول دورات التعليم الطبي فإن التأثير الحقيقي لهذه الإصلاحات سوف يستغرق وقتاً وسوف يستمر لعدة سنوات قادمة. (1)

وفي الوقت نفسه الذي تحدث فيه هذه التغيرات، يتقدم السكان الفرنسيون في السن ويزداد الطلب على الرعاية الطبية بشكل كبير. إن ما يقرب من ثلث الأطباء العامين في البلاد تجاوزوا الستين من العمر وهم على وشك التقاعد في حين يسعى الجيل الجديد من الأطباء إلى الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة والعمل لساعات أقل. ويمكن رؤية نتيجة هذه التغييرات في الجدول الزمني الضيق وعدم توفر الأطباء العامين في العديد من المدن والقرى.

ولسد هذه الفجوة دخل أكثر من 3800 طبيب أجنبي يحملون مؤهلات غير أوروبية نظام الرعاية الصحية الفرنسي في عام 2024 بعد اجتيازهم بنجاح امتحان التحقق من صحة المؤهلات الطبية (EVC). ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء الأطباء ينجذبون إلى المناطق الحضرية ويفضلون العمل في المدن الكبيرة ولهذا السبب، لا يزال هناك نقص في الأطباء في العديد من المناطق الريفية والبلدات الصغيرة.

وبالإضافة إلى ذلك تشير بعض التقارير إلى أن مشاعر عدم الاستقرار الوظيفي والتمييز الاجتماعي ضد بعض الأقليات وخاصة الأطباء من شمال أفريقيا دفعت عدداً منهم إلى مغادرة فرنسا والتوجه إلى بلدانهم الأصلية أو إلى أجزاء أخرى من أوروبا. ويؤدي هذا الاتجاه نحو الهجرة العكسية إلى تفاقم الضغوط على المناطق المحرومة ويظهر أن وصول الأطباء الأجانب وحده لا يمكن أن يحل المشكلة.

وفي إطار خطة "صحتي 2022"، تخطط الحكومة الفرنسية لمضاعفة عدد طلاب الطب الذين يلتحقون بالجامعة بحلول عام 2027 إلى 12 ألف طالب. وتهدف هذه الزيادة إلى التعويض عن القيود السابقة، ولكنها تتطلب التطوير المتزامن للبنية الأساسية التعليمية والمستشفيات. إن الحفاظ على جودة التعليم وتدريب الأطباء المهرة أمر ضروري لمنع الضغط على النظام الصحي.(2)

ومن التدابير الحكومية الأخرى لتحسين كفاءة النظام الصحي فرض غرامة قدرها خمسة يورو على المرضى الذين يتخلفون عن حضور المواعيد الطبية دون إشعار مسبق. ويهدف هذا الإجراء إلى تحرير ما يصل إلى عشرين مليون موعد طبي سنويا ومنع إهدار الموارد الصحية، لكن بعض الخبراء يخشون من أن الغرامة ستفرض عبئا ماليا إضافيا على المرضى من ذوي الدخل المنخفض والضعفاء وتؤدي إلى تعميق الفجوات في الوصول إلى الرعاية الصحية. وتظهر تجربة البلدان التي طبقت غرامات مماثلة أنه في حالة عدم توفير الإعفاءات والحماية الاجتماعية، فقد ترفض الفئات الأضعف في المجتمع رؤية الطبيب وقد تتفاقم حالتها الصحية.

بالإضافة إلى ذلك أعطى قانون "تنظيم وتحويل نظام الرعاية الصحية" الجديد صلاحيات جديدة للمساعدين الطبيين والممرضين والصيادلة للمشاركة في وصف بعض الأدوية وتوفير الرعاية الأولية. وتهدف هذه التغييرات إلى تقليل أعباء العمل على الأطباء العامين وتسريع تقديم الخدمات، لكن بعض الأطباء يخشون من أن يؤدي عدم وجود فصل واضح بين الأدوار والضعف في التدريب المتخصص لهذه المجموعات إلى انخفاض جودة الرعاية. وفي الوقت نفسه تم توفير برامج لتدريب الممرضات والقابلات لإدارة المرضى المزمنين والسيطرة على الأمراض مثل مرض السكري وضغط الدم لتقليل الزيارات غير الضرورية للأطباء العامين.(3)

اليوم وصلت كثافة الأطباء في المناطق الريفية إلى نحو طبيب ونصف طبيب لكل ألف نسمة، وهو ما يمثل فرقاً كبيراً مقارنة بمتوسط ثلاثة وعشرة من الأطباء لكل ألف نسمة في المناطق الحضرية. تشير الدراسات إلى أن حوالي ثلاثين بالمائة من سكان فرنسا يعيشون في مناطق يكون فيها الوصول إلى الرعاية الصحية محدود عمليًا بسبب نقص الأطباء؛ وبلغ الرقم 17 بالمئة في عام 2018، والجدير بالذكر أن اتجاهه التصاعدي يبعث على القلق. وبحسب التوقعات إذا استمر الاتجاه الحالي بالارتفاع فإن النقص في الأطباء العامين سيزداد بنحو عشرين في المائة بحلول عام 2030، وسوف ينتشر النقص في الأطباء إلى المزيد من المناطق.(4)
 
ولذلك وبدون تنفيذ حلول طويلة الأجل للتوزيع العادل للعاملين في المجال الطبي وتحسين ظروف العمل، فإن النظام الصحي الفرنسي سيواجه خطر تراجع ثقة الجمهور واحتجاجات النقابات. إن استمرار هذه الأزمة من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج السخط الاجتماعي والسياسي على نطاق واسع ويؤدي إلى عدم استقرار النظام السياسي والاجتماعي في البلاد. وفي نهاية المطاف إذا لم يتم اتخاذ تدابير منظمة وشاملة لإعادة تعريف السياسات التعليمية، وتسهيل ظروف عمل الأطباء وضمان العدالة في توزيع الموارد الصحية فإن الاستقرار الحالي للنظام السياسي والاجتماعي الفرنسي سوف يتعرض للتقويض بشكل خطير.

امین مهدوي

1- https://www.commonwealthfund.org/publications/newsletter-article/2019/jun/new-bill-seeks-reshape-french-health-care
2-  https://www.euronews.com/health/2023/06/29/frances-medical-deserts-hospitals-facing-daily-struggle-to-overcome-chronic-doctor-shortag
3-  https://www.connexionfrance.com/news/map-number-of-doctors-in-france-rises-slightly-see-best-and-worst-areas-now/715694
4-  https://www.cleiss.fr/particuliers/venir/soins/ue/systeme-de-sante-en-france_en.html