هل تستطيع السعودية كبح جماح ترامب في المنطقة؟
تعول الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، على قدرتها في استثمار العلاقة القوية مع دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية المتوقعة لتشكيل سياسة واشنطن في الشرق الأوسط. وسط القلق المتزايد بشأن أجندة ترامب، التي يحتمل أن تكون داعمة بقوة لإسرائيل، تسعى السعودية إلى أن تكون العامل المؤثر في تخفيف الأجندة المتشددة المحتملة، مستندة إلى علاقاتها مع ترامب واستعداد الأخير لعقد "صفقات كبرى".
تعول الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، على قدرتها في استثمار العلاقة القوية مع دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية المتوقعة لتشكيل سياسة واشنطن في الشرق الأوسط. وسط القلق المتزايد بشأن أجندة ترامب، التي يحتمل أن تكون داعمة بقوة لإسرائيل، تسعى السعودية إلى أن تكون العامل المؤثر في تخفيف الأجندة المتشددة المحتملة، مستندة إلى علاقاتها مع ترامب واستعداد الأخير لعقد "صفقات كبرى".
تشير التقارير، ومنها تقرير فايننشال تايمز، إلى أن تعيين ترامب لعدد من الشخصيات المؤيدة لإسرائيل والمعادية لإيران في مناصب رئيسية أثار مخاوف واسعة في الأوساط العربية. القلق الرئيسي ينبع من إمكانية تصعيد التوترات الإقليمية، سواء من خلال دعم خطوات مثل ضم إسرائيل للضفة الغربية أو تصعيد التوتر مع إيران. في المقابل، يعول المسؤولون العرب على قدرة السعودية في التأثير على ترامب، خاصة من خلال دور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وصرح دبلوماسي عربي بأن السعودية تمثل "اللاعب الرئيسي" في المنطقة بفضل علاقاتها الوثيقة مع ترامب، مما يجعلها مركزية لأي قرارات إقليمية قد تتخذها واشنطن. يُعتقد أن الأمير محمد يمكنه استخدام ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل كورقة ضغط للتأثير على توجهات ترامب، خاصة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ترامب، الذي تباهى سابقا بقدرته على تحقيق "الصفقة النهائية" لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، دعم خلال رئاسته الأولى إسرائيل بشكل غير مسبوق. قرارات مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وقطع المساعدات عن الفلسطينيين، أثارت استياء واسعًا في العالم العربي. في المقابل، شهدت فترة رئاسته توقيع "اتفاقيات إبراهيم"، التي قادت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول عربية، مما اعتبر إنجازا غير مسبوق.
ومع ذلك، تظل الرياض حذرة تجاه التطبيع مع إسرائيل دون تحقيق مطالبها الأساسية، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ويُعتقد أن ترامب إذا ضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتقديم تنازلات، فقد يساعد ذلك في دفع السعودية نحو التطبيع، لكن استمرار الحرب في غزة وضعف احتمالات حل الدولتين يعيقان هذا التقدم.
إعادة ضبط السياسات السعودية
مع انتقال السلطة إلى جو بايدن، شهدت السياسة الإقليمية للسعودية تحولًا ملحوظًا. أعادت الرياض علاقاتها مع إيران في عام 2023، واستمرت في تبني نهج الانفراج، خاصة بعد تصعيد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في غزة. كما شددت السعودية انتقاداتها لإسرائيل، مؤكدة أنها لن تطبع العلاقات مع تل أبيب دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
أبرز مواقف السعودية تجلت خلال تصريحات الأمير محمد بن سلمان في القمة العربية-الإسلامية، حيث وصف العمليات الإسرائيلية في غزة بأنها "إبادة جماعية". هذه التصريحات، وفقًا لمحللين، وجهت رسالة واضحة إلى واشنطن ونتنياهو بأن الرياض ملتزمة بدعم القضية الفلسطينية.
الاتفاق الدفاعي السعودي-الأميركي
يرتبط مستقبل العلاقات السعودية-الأميركية بشكل كبير بمصير الاتفاق الدفاعي الذي يهدف إلى تعزيز الشراكة الأمنية بين البلدين. السعودية تسعى لاتفاق ملزم يُقره الكونغرس، يتضمن تعهدًا أميركيًا بالدفاع عنها، وتزويدها بمفاعلات نووية سلمية، وأسلحة متطورة، إضافة إلى تقنيات حديثة مثل الرقائق الإلكترونية.
في المقابل، تلتزم الرياض بتقييد انخراط الصين في مشاريعها التكنولوجية الحساسة، والتوقيع على اتفاقيات رقابة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك، يرتبط تقدم هذا الاتفاق بملف التطبيع مع إسرائيل، حيث يطالب ترامب السعودية بالانخراط فيه كجزء من الصفقة.
ورغم مساعي ترامب لتوسيع "اتفاقيات إبراهيم"، تواجه الجهود السعودية في هذا السياق عدة عراقيل. استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وغياب أي آفاق لحل الدولتين، وموقف السعودية الثابت من القضية الفلسطينية، جميعها عوامل تعيق التقدم في ملف التطبيع. يعتقد المراقبون أن الضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين قد يكون مفتاحًا لتحريك المفاوضات، لكن قدرة نتنياهو على مواجهة هذا الضغط تبقى موضع شك.
العلاقة مع إيران وتأثيرها الإقليمي
في حال إعادة انتخاب ترامب، قد تؤدي سياسته التصعيدية تجاه إيران إلى تعقيد العلاقات الإقليمية. خلال رئاسته الأولى، تبنى ترامب حملة "الضغط الأقصى" ضد إيران، مما صعّد التوترات في المنطقة. إذا عادت هذه السياسة، قد تواجه العلاقات الإيرانية-السعودية هزات جديدة، خاصة مع استمرار الرياض في تحقيق توازن بين مصالحها الإقليمية وتعاونها مع الولايات المتحدة.
في المقابل، تظل السعودية ملتزمة باتفاقها مع إيران، الذي توسطت فيه الصين، كجزء من استراتيجيتها لتحقيق رؤية 2030 التي تعتمد على استقرار المنطقة. هذا التوازن يمثل تحديا كبيرا للرياض في ظل احتمالية العودة إلى سياسة أميركية أكثر عدائية تجاه إيران.
مع عودة محتملة لترامب، ستواجه السعودية اختبارات صعبة في التوفيق بين شراكتها الاستراتيجية مع واشنطن ومصالحها الإقليمية المتوازنة. تسعى الرياض إلى استثمار علاقتها القوية مع ترامب لتمرير صفقات تخدم مصالحها، لكنها في الوقت نفسه تدرك حساسية الملفات الإقليمية، خاصة ما يتعلق بإيران والقضية الفلسطينية.
في الختام يمكن القول إن العلاقة بين السعودية وأمريكا في عهد ترامب الثاني ستظل معقدة، تتأرجح بين محاولات تطبيع العلاقات مع إسرائيل من جهة، والمحافظة على علاقات متوازنة مع إيران من جهة أخرى. في ظل هذه التعقيدات، ستسعى الرياض إلى المناورة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية دون الانحياز التام لأي طرف.
1-https://2cm.es/P4hX
2-https://2cm.es/P4i4
3-https://2cm.es/P4i6
4-https://2cm.es/P4i8