مغامرة ماكرون من أجل الأمن!
إن إعادة إحياء النقاش حول "المظلة النووية الأوروبية" أدى إلى إثارة الأسئلة والنقاشات حول هذا المشروع ومستقبل الأمن في أوروبا. ونظرًا لتغير الالتزامات والمواقف من قبل الولايات المتحدة ووجود إطار جيوسياسي يتطور ويتغير، أعرب إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية عن استعداده للمشاركة في حوار استراتيجي من أجل أمن أوروبا وهو ما قد يعيد تعريف بناء الهيكلية الدفاعية الأوروبية. ويعتبر هذا الاقتراح الذي كان يُعتبر في الماضي تقريبًا من المحرمات الآن خيارًا قابلًا للنقاش بين القادة الأوروبيين الذين يفكرون فيما إذا كان ينبغي عليهم اعتماد نهج جديد للأمن والدفاع.

إن إعادة إحياء النقاش حول "المظلة النووية الأوروبية" أدى إلى إثارة الأسئلة والنقاشات حول هذا المشروع ومستقبل الأمن في أوروبا. ونظرًا لتغير الالتزامات والمواقف من قبل الولايات المتحدة ووجود إطار جيوسياسي يتطور ويتغير، أعرب إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية عن استعداده للمشاركة في حوار استراتيجي من أجل أمن أوروبا وهو ما قد يعيد تعريف بناء الهيكلية الدفاعية الأوروبية. ويعتبر هذا الاقتراح الذي كان يُعتبر في الماضي تقريبًا من المحرمات الآن خيارًا قابلًا للنقاش بين القادة الأوروبيين الذين يفكرون فيما إذا كان ينبغي عليهم اعتماد نهج جديد للأمن والدفاع.
تاريخياً قامت الولايات المتحدة بتمديد مظلتها النووية إلى حلفائها الأوروبيين في حلف الناتو خلال الحرب الباردة وهو الإطار الذي لعب دورًا مهمًا في ضمان الأمن الإقليمي في أوروبا. ومع ذلك فإن الإجراءات الأخيرة التي تشير إلى أن الولايات المتحدة قد تقلل من التزاماتها الدفاعية دفعت القادة الأوروبيين إلى إعادة تقييم خياراتهم الأمنية. وقد أكد ماكرون في مقابلاته أنه إذا خفضت الولايات المتحدة دعمها يجب على أوروبا أن تبحث عن طرق بديلة لحماية سيادتها وأمنها.(1)
يرتكز محور الاقتراح الذي قدّمه ماكرون على ضرورة أن تنظر أوروبا في توسيع ضماناتها الأمنية من خلال مظلة نووية أوروبية. وإذا تم تنفيذ هذه الخطوة فقد تقلل من اعتماد أوروبا على الضمانات النووية الأمريكية وتعزز استقلالها الاستراتيجي. يؤكد ماكرون أن مثل هذه الخطوة لا تقوي فقط مكانة فرنسا كزعيمة لأوروبا في مجال الأمن بل تساعد أيضًا على تحقيق شراكة عبر الأطلسي أكثر توازنًا. ومع ذلك تتبادر إلى الذهن أسئلة هامة حول جدوى المشاركة في الردع النووي والآثار السياسية المحتملة لأوروبا والولايات المتحدة.
كما أن هناك نتائج وآثار هائلة لهذه الخطوة على الهيكلية الدولية. أولًا، يمكن أن يؤدي إنشاء مظلة نووية في أوروبا إلى تغيير ديناميات الردع النووي العالمي. كما أن هذا الاقتراح قد يقلل من النفوذ الأمريكي في القضايا الأمنية الأوروبية. وهذه الاستراتيجية قد تدفع روسيا إلى إعادة تقييم حساباتها الاستراتيجية مما قد يؤدي إلى زيادة التوترات في شرق أوروبا. بالإضافة إلى ذلك فإن تطوير ردع نووي في أوروبا قد يؤثر على نظام عدم انتشار الأسلحة النووية في العالم حيث قد تنشأ تحالفات أو آليات جديدة تتحدى القواعد النووية الراسخة.(2)
في الجانب الآخر يمكن أن يؤدي اقتراح ماكرون أيضًا وعبر الأطلسي إلى تحقيق التعاون والاتصال بين أوروبا والولايات المتحدة. لذلك من جهة إذا قامت الولايات المتحدة بتقليل التزاماتها الدفاعية فقد يُعتبر سعي أوروبا نحو مظلتها النووية خطوة ضرورية لضمان أمنها الإقليمي. وقد يمهد هذا السيناريو الطريق لتقاسم الأعباء بين الحلفاء حيث تستثمر الدول الأوروبية المزيد في قدراتها الدفاعية. من جهة أخرى قد يُنظر إلى هذه الخطوة من قبل الولايات المتحدة كاعتداء على مجال نفوذها التقليدي مما قد يزيد الضغط على التحالف الكبير عبر الأطلسي. فقد يكون صانعو السياسات الأمريكيون قلقين من أن مظلة نووية أوروبية قد تضعف دور الولايات المتحدة كضامن رئيسي للأمن الجماعي في الناتو مما يؤدي إلى إعادة تقييم المهام والوظائف في الناتو.
ومابعد النتائج الجيوسياسية والاستراتيجية لهذا الأمر، يحمل هذا النقاش تداعيات داخلية مهمة أيضًا بالنسبة للدول الأوروبية. بينما يرى بعض المواطنون أن المظلة النووية الأوروبية تمثل طريقًا لزيادة الأمن والاستقلال يخشى آخرون من أن ذلك، فقد يعزز من انتشار الأسلحة النووية ويزيد من مخاطر سباقات التسلح. ومن المحتمل أن تؤدي هذه القضية إلى تصاعد النقاشات السياسية في الدول التي تمثل السيادة الوطنية فيها موضوعًا حساسًا. قد تؤدي رؤية تجميع القدرات النووية تحت قيادة فرنسا إلى مناقشات مثيرة للجدل حول الرقابة الديموقراطية والالتزامات المالية والآثار الأخلاقية للردع النووي.(3)
علاوة على ذلك لا يمكن تجاهل البعد الاقتصادي لهذا الاقتراح. ويتطلب إنشاء ردع نووي موثوق استثمارًا كبيرًا في البنى التحتية العسكرية وأنظمة القيادة والقوات التقليدية. وتأتي هذه الأعباء المالية في وقت تعاني فيه العديد من الاقتصادات الأوروبية من مستويات مرتفعة من الديون والضغوط المتعلقة بالتكاليف الاجتماعية. قد يتحول توزيع هذه التكاليف بين أعضاء الاتحاد الأوروبي إلى موضوع جدلي مما قد يزيد من الفجوات القائمة بين الشمال والجنوب والشرق والغرب داخل الكتلة.
في النهاية قد يكون مستقبل اقتراح ماكرون بمثابة بداية لإعادة بناء جذرية في الهيكلية الأمنية الأوروبية. تعكس هذه المبادرة مستقبلًا قد تصبح فيه القدرات الدفاعية الأوروبية أقل اعتمادًا على ضمانات الولايات المتحدة على الرغم من أن تحقيق ذلك يتطلب مستويات غير مسبوقة من التعاون والاندماج العسكري في أوروبا. يمكن أن تحدد نجاح هذه المبادرة أو فشلها ما إذا كانت أوروبا ستتجه نحو استقلال استراتيجي أكبر أو ستبقى تعتمد بشكل رئيسي على ضمانات الأمن الأمريكية من خلال الناتو. من المحتمل أن يكون لهذا التحول تأثيرات دائمة على ديناميات النظام العالمي ونظام التحكم في التسليح ومستقبل العلاقات عبر الأطلسي.
1- Reuters
2- ecfr.eu
3- euronews