انهيار البنوك الأمريكية.. بين الإفلاس وعلاقتها بالصهيونية
انهارت 4 بنوك أمريكية، من بينها سيليكون فالي بنك (SVB)، وسيجنتشر بنك (Signature Bank) وسيلفر جيت بنك (Silver Gate Bank) ، خلال أسبوعين فقط، فهل السيناريو أو الأسباب واحدة في تلك الحالات؟ أم هناك من يقف وراء ذلك الإنهيار؟
كانت نتائج إفلاس "وادي السيليكون" سريعة الحدوث في مختلف الأسواق، لكن القطاع التكنولوجي العالمي أكثر الواقعين تحت الخطر، حيث يتركز نشاط هذا البنك في القطاع التكنولوجي، وهو ما قد يقضي على عدد من الشركات الناشئة في أنحاء العالم دون أن تتدخل الحكومات.
وصنع انهيار البنك موجة انخفاضات ضربت أسهم قطاع البنوك في أمريكا وامتدت إلى أسواق آسيا و أوروبا، ووقّع أكثر من 3500 من الرؤساء التنفيذيين والمؤسسين الذين يمثلون نحو 220 ألف موظف على عريضة تناشد المسؤولين دعمَ المودعين، وحذر هؤلاء الرؤساء من تعرض أكثر من 100 ألف وظيفة للخطر.
وأثرت هذه الأزمة على البورصات العالمية في أماكن مختلفة من أوروبا، ويمكن تحديد تلك الأماكن بـ"بورصة باريس، مصرف دويتشه بنك الألماني، وكومرتسبنك ثاني أكبر بنوك ألمانيا، وبنك باركليز البريطاني، وانتيسا سان باولو الإيطالي، ويو بي إس السويسري"، كما طالت الأزمة عدداً من المصارف الآسيوية مثل مصرفَي "إتش إس بي سي" و"ستاندرد تشارترد" في هونغ كونغ، إضافةً إلى تراجع أسهم أبرز المصارف في اليابان.
يعتبر بنك وادي سيليكون SVB، قانونياً، مصرفاً تجارياً إقليمياً، رخّصته ولاية كاليفورنيا التي تأسس فيها قبل 40 عاماً. فالبنوك القومية في الولايات المتحدة توجد في اسمها كلمة National، أو رمز N.A.، وبنوك التوفير الفيدرالية، توجد في اسمها كلمة Federal، أو رمز F.S.B. وكِلتا الفئتين من البنوك يرخصهما قسم محدد في وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن، لا قسم إدارة المؤسسات المالية التابع لولايات بعينها.
لكنّ بنك وادي سيليكون اكتسب أهميةً قوميةً أميركية ودوليةً، على رغم طابعه المحلي قانونياً، نتيجة، حجم عملياته بمليارات الدولارات، بمقياس ودائعه البالغة أكثر من 173 مليار دولار، وأصوله البالغة نحو 212 مليار دولار، بحسب تقريره السنوي لعام 2022. وتجذره في منطقة "وادي السيليكون" شمالي ولاية كاليفورنيا، محور عجلة التكنولوجيا العليا والابتكارات الجديدة أميركياً، ومهد الشركات الناشئة في ذلك القطاع، ومقر بعض أهم شركات الـHigh-tech، وعلى رأسها عناوينُ كبيرةٌ مثل Adobe، Alphabet (التي تملك "غوغل" وغيرها)، Apple، Cisco، eBay، HP، Intel، LinkedIn، Meta ("فيسبوك"، "إنستغرام"، "واتس آب"، وغيرها)، Nvidia، Paypal، Zoom، وغيرها كثير.
وتربُّعه، أمريكياً ودولياً، على رأس شبكة من الشركات المصرفية التابعة أو المملوكة له، وليست رسمياً فروعاً لمصرف SVB. وتنتشر تلك الشبكة عبر 13 ولاية أميركية وعبر القارات، من تورنتو، كندا، إلى جزر كايمان، ثم بكين وشنغهاي وشنزن وهونغ كونغ في الصين، إلى بنغالور، الهند، ثم دبلن، أيرلندا، إلى ستوكهولم، السويد، إلى كوبنهاغن، الدنمارك، إلى فرانكفورت، ألمانيا، إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، إلى لندن، بريطانيا، وصولاً إلى "تل أبيب" في الكيان الصهيوني.
وصِلاته اليهودية، أميركياً وعالمياً، والإسرائيلية في الكيان الصهيوني، إذ إن مصرف SVB في "تل أبيب" ليس مجرد شركة أخرى تابعة للشركة الأم، بل حاضنة لأكثر من 100 شركة تكنولوجيا متقدمة في الكيان الصهيوني، بحسب صحيفة "كلكالِست" الاقتصادية، التي تنشرها مجموعة "يديعوت أحرونوت"، في 10/3/2023، والتي أشارت إلى أن SVB من أقدم وأكثر البنوك مركزيةً في دعم قطاع التكنولوجيا المتقدمة في "إسرائيل".
لكنّ هذا رأس جبل الجليد فحسب، إذ تشير صحيفة "غلوبس" الاقتصادية، إلى أن مئات الشركات الإسرائيلية تستفيد من خدمات مصرف SVB، بحسب تقريرٍ لها في 13/3/2023، بشأن انعكاسات انهيار المصرف على المشهد الاقتصادي الإسرائيلي عموماً، وقطاع التكنولوجيا المتقدمة في الكيان الصهيوني خصوصاً.
الحديث عن رأس المال المالي الدولي يستدعي بالضرورة الصلة اليهودية، وفي هذه الحالة، الصلة الإسرائيلية الصريحة، كما في ملكية "لئومي" 15% من SVB، أهم حاضنة لشركات التكنولوجيا العليا والابتكار في العالم الغربي.
وذكرت "الغارديان" البريطانية في 15/3/2023، على سبيل المثال، أن نحو نصف الشركات الأميركية الناشئة في قطاع التكنولوجيا، والعديد من شركات القطاع الصحي، ترعرعت في كنف مصرف SVB شمالي كاليفورنيا.
جنوبي ولاية كاليفورنيا، في هوليوود، تجد معظم استديوهات الأفلام الرئيسة مملوكةً أو مسيطراً عليها يهودياً، لكن ذلك يجري بصفة مفادها أن المالكين أو المسيطرين مواطنون أميركيون. أمّا في مثال SVB المعبر، أي في حالة رأس المال المالي الدولي، وسيطرته على صناعة التكنولوجيا والابتكار، أهم قطاعات الاقتصاد العالمي قاطبةً، من زاوية نسبة مساهمته في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، فإن الصلة اليهودية تبرز في لونها الإسرائيلي الواضح، كشريك رئيس، من بين شركاء كبار، في المنظومة.
لذلك يؤكد مراقبون أن التداعيات في منطقة الشرق الأوسط تظهر بصورة أكبر في إسرائيل، نظرا لوجود أحد فروع البنك هناك، واعتماد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا تعتمد على المصرف في تمويل مشاريعها.
فبعد انهيار "بنك وادي السليكون"، علّق كبير الاستراتيجيين في Psagot Investment House (شركة استثمار إسرائيلية)، أوري غرينفيلد، أن "ما يقدر بنحو 90% من الودائع المتبقية في SVB ليست مؤمّنة".
وحذر من أن "هذا يعني أن العديد من الشركات فقدت إمكانية الوصول إلى الأموال التي تم جمعها وهي بالفعل في أزمة سيولة حادة". وحذّر "سيتعين على هذه الشركات زيادة رأس المال الجديد بسرعة، مما سيجعلها تدفع ثمناً باهظاً مقابل المال، أو ستحتاج إلى البدء في تسريح الموظفين ووقف عملياتها". مضيفًا "لن نتفاجأ على الإطلاق إذا رأينا في الأسابيع المقبلة موجة غير عادية من عمليات التسريح في صناعة التكنولوجيا الفائقة".
وعزّز انهيار SVB أزمة على مستوى بنوك الكيان الصهيوني وشركات التكنولوجيا، كانت قد بدأت منذ النصف الثاني لعام ،2022 بسبب ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة، "ما أدى الى تعقّد الأمور في أسواق الأسهم ولا سيما أسهم التكنولوجيا حيث بدأت عمليات جمع الأموال تنهار من قبل الشركات الناشئة"، حسب الكاتب ديفيد روزنبرغ في صحيفة "هآرتس" العبرية.
كما أن الأزمة تتعمّق مع وجود حكومة يمينية مصرّة على التعديلات القضائية، اذ تنقل الصحيفة "مخاوف بين الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين بشأن ما إذا كان للتكنولوجيا الفائقة مستقبل في بلد بنظام محاكم ويخضع لسيطرة المتطرفين. التكنولوجيا العالية ورؤوس الأموال الأخرى يهربون... قالت الشركات إنها تخطط لنقل بعض العمليات خارج البلاد". معتبرةً أنّ "الحنين على الأيام الخوالي، حين كانت أموال الاستثمار تتدفق على الشركات الناشئة، وكانت أسهم التكنولوجيا في مستويات قياسية، سيصيب الشباب ( 20 – 30 عامًا) العاملين في شركات التكنولوجيا".
ومن المثير للاهتمام أن البنوك الإسرائيلية، مثل بنك لئومي وبنك هبوعليم، حاولت مساعدة الشركات في تحويل الأموال من البنك قبل الانهيار، وبحسب ما ورد، ساعدت الشركة عملاء إسرائيليين في جلب مليار دولار لـ"إسرائيل"، وفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
ختاماً إن التداعيات الكاملة لم تتضح حتى اللحظة، لكن احتمال قيام المئات من الشركات الناشئة بتسريح الموظفين أو إغلاق أبوابها كان بمثابة ضربة مزدوجة لنتنياهو، الذي قضى الأشهر الثلاثة الماضية يكافح لدحض الانتقادات التي طالت خطته لإصلاح نظام المحاكم، والتي ستلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد.
مجد عيسى
المصادر:
1- https://cutt.us/1eXwn
2- https://cutt.us/4tEoZ
3- https://cutt.us/2eOwt
4- https://cutt.us/V5z5J
5- https://cutt.us/aVfCI