الضغوط الخارجية على العراق لتعويم الجولاني سياسياً
في ظل مانراه ونسمعه حول التغييرات الأخيرة في المنطقة العربية وخاصة شرق آسيا، لاعجب أن نرى وجهان نقيضان للسياسة الأمريكية

في ظل مانراه ونسمعه حول التغييرات الأخيرة في المنطقة العربية وخاصة شرق آسيا، لاعجب أن نرى وجهان نقيضان للسياسة الأمريكية. فمن جهة، تتزايد الضغوط الأمريكية على العراق بالتعاون مع بعض الدول الداعمة في مسعى لإضفاء صورة جديدة مقبولة على رئيس السلطة الحالية في سورية أبو محمد الجولاني. ومن جهة أخرى، تعلن وزارة الخارجية الأمريكية سحب الصفة الدبلوماسية عن ممثلي سورية في الأمم المتحدة واعتبارهم تابعين لحكومة غير معترف بها، هذه الإزدواجية في التعاملات السياسية تعطي الولايات المتحدة القدرة على المناورة من أجل تحقيق مكاسب سياسية على مختلف الأصعدة. واللافت في الأمر أنها تعمل الآن على زيادة الضغوط على العراق من خلال تحركات إعلامية وسياسية تهدف إلى تقديم الجولاني كوجه معتدل يمكن دمجه في المشهد الإقليمي والدولي رغم ماضيه المرتبط بالتنظيمات الإرهابية ودوره الإرهابي في كل من سورية والعراق.
الضغوط الخارجية
يبدو أن واشنطن تسعى إلى استخدام الساحة العراقية كمنصة لإضفاء الشرعية على الجولاني من خلال مشاركته لحضور القمة العربية المرتقبة في بغداد بصفته رئيس دولة. هذه الخطوة تثير جدلًا واسعًا داخل الأوساط العراقية حيث ترفض القوى السياسية الوطنية وعموم الشعب العراقي أي محاولة لفرض شخصيات متطرفة تحت ضغط سياسي معتبرةً ذلك انتهاكًا للسيادة العراقية وتدخلًا في قراراته المستقلة [1]. الهدف الرئيسي وراء هذه الضغوط هو إعادة تشكيل خريطة القوى في المنطقة عن طريق فرض شخصيات تدعم المصالح الأمريكية. العراق يواجه تحديًا كبيرًا في التعامل مع هذه التحركات، حيث إن قبول إعادة تعويم الجولاني قد يترتب عليه تداعيات خطيرة على الأصعدة الداخلية والإقليمية. وقد تثير هذه الخطوة توترات داخلية نظرًا لمعارضة القوى السياسية لأي تدخل خارجي، كما قد تؤثر سلبًا على علاقات العراق الإقليمية خصوصًا مع الدول التي ترفض أي دور للجولاني في السياسة الدولية، وهناك مؤشرات على تأثر هذا الملف بضغوط خارجية خاصة من بعض الدول التي تنسق مواقفها مع الولايات المتحدة حيث أن سياسات كل من السعودية والإمارات وقطر تتماشى مع الأجندات الأمريكية.
الاستقرار الاقليمي
هذه التطورات أثارت قلق الدول التي يعنيها استقرار العراق وأمنه الإقليمي الذي بدوره يؤثر على أمن واستقرار الدول المجاورة له، ولاشك أن مايحدث في سورية من تغيرات وأحداث يثير قلق دول الجوار خوفاً من تمدد الإرهاب لها وانتشار الأفكار المتطرفة للجماعات الإسلامية الموجودة في تلك الدول. الجدير بالذكر أن هناك طروحات بديلة حول تمثيل سورية في قمة بغداد، وقد صرح عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي مختار الموسوي بأن تبديل ممثل سورية في القمة العربية يُعتبر خيارًا مطروحًا وفقًا للمستجدات السياسية. وأكد الموسوي أن مشاركة سورية في القمة تخضع لقرارات الحكومات المعنية وأن عدم وجود مانع قانوني قد يشير إلى موافقة ضمنية على حضور الجولاني ما لم يتم اتخاذ قرار بتغيير الممثل الرسمي لسورية، وأضاف الموسوي أن العراق قد يقترح تبديل الشخصية التي تمثل سورية في القمة وهو احتمال وارد بناءً على المعطيات السياسية. [2]
الاستراتيجية العراقية وتوازن القوى
لابد لنا أن نعترف بأن حكومة العراق الحالية هي نتاج صراعات طويلة وحروب دامت أكثر من عشر سنوات، وهذا الوضع خلف انقسامات وخلافات في كيان الحكومة العراقية في ظل وجود تيارات سياسية مختلفة ومنقسمة، ولكن مسألة محاسبة الجولاني وملاحقته ربما لاقت إجماع بين القوى السياسية والشعبية، وهذا ما تحاول الأطراف الأخرى حله وإقناع الجميع بأن أحمد الشرع "رئيس سورية" هو من سيأتي للعراق وليس ابو محمد الجولاني "زعيم هيئة تحرير الشام الإرهابية"، وقد تُقوض هذه الخطوة جهود مكافحة الإرهاب حيث إن تقديم الجولاني كشخصية سياسية قد يُمهد الطريق لإضفاء الشرعية على شخصيات وجماعات أخرى ذات سجل إرهابي، لذا سيكون موقف العراق عنصرًا حاسمًا في مواجهة هذه المخططات حيث أن الرفض الرسمي والشعبي قد يكون العقبة الرئيسية أمام تمرير هذه الأجندات الخارجية.
وفي بيان صدر الجمعة الماضية قال المتحدث باسم كتائب حزب الله أبوعلي العسكري : " كانت القمم العربية تعقد دون حضور الرئيس السابق بشار الأسد ودون العراق أو ليبيا، وهي لن تتوقف قطعا بسبب عدم حضور المدان (أبو محمد الجولاني) زعيم جبهة النصرة الإجرامية ". [3]
التطبيع مع الإرهاب والتبعية الغربية
زيارة أحمد الشرع إلى قطر لم تكن زيارة معلنة أو عادية ولم يتم الإعلان عنها مسبقاً، بل أعلن عنها بعد أن عاد الشرع إلى سورية، وفي الغالب كان الغرض منها جمع السوداني رئيس الوزراء العراقي مع الشرع بوساطة قطرية لإزالة أول عائق أمام الجولاني وكسر الجدار الجليدي الموجود. وبالطبع تم الإتفاق على مجريات الأحداث وكيفية تعويم الشرع في الأوساط العراقية، وقد أظهر اللقاء الذي جمع الأطراف الثلاثة أن هناك قوى عظمى فرضت هذا الخيار وعلى الجميع تنفيذ الأوامر، ويقودنا هذا التحليل إلى أن سياسة "التطبيع مع الإرهاب" تنتظر العراق نزولاً عند رغبة الدول الغربية والموالية لها في الجوار. [4]
الخلاصة
في علم السياسة لابد من قراءة التاريخ لكي نعي الحاضر ونرى المستقبل، وتاريخ العراق حافلٌ بالتدخلات الأجنبية التي أنهكت هذا البلد وأتعبت شعبه، فمن عراق موحد إلى عراق ذو أقاليم وإدارة غير مركزية وسيطرة لنفوذ القوى المتصارعة، وأخيراً كان الإرهاب الداعشي الذي مولته نفس الدول ذات النفوذ من أجل البقاء ونهب ثروات العراق والسيطرة على قراره، ومايحدث الآن يزيد من فهمنا لما يجري وما سيجري، ولكن لابد في نهاية المطاف أن يقول الشعب كلمته. ولن تستطيع قوة ما أن تسكت شعباً بأكمله، والعراقيون في مختلف تكويناتهم عانوا من الإرهاب والتطرف وحان الوقت لسماع صوتهم وتحقيق مطالبهم واحترام دماء شهدائهم التي سالت ليبقى العراق متماسكاً قوياً، وحتى لو خضع القرار العراقي لبعض الضغوطات الغربية والدول العربية فلن يغير هذا من قناعات الشعب العراقي بأن الإرهابي يبقى إرهابي حتى لو لبس بدلة رسمية وربطة عنق.