أيادي ملطخة بالدماء!

في النهاية يجادل المنتقدون بأنه لا يمكن فصل الدعم الشامل والمستمر من قبل بريطانيا لإسرائيل عن الأهداف الاستراتيجية الأكبر لهذه الدولة، التي تؤدي إلى تعزيز قوتها في النظام الدولي.

ابريل 19, 2025 - 12:42
 41
أيادي ملطخة بالدماء!
أيادي ملطخة بالدماء!

   تعود جذور التدخل البريطاني في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى تاريخ إعلان بلفور المشهور في عام 1917 الذي رسم مستقبل المنطقة آنذاك. هذا الإعلان كان بمثابة  دعم بريطانيا لـ "إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، وكان بمثابة الأساس للتحولات اللاحقة التي لا تزال تؤثر على مجريات الأحداث في المنطقة المعاصرة. خلال فترة الانتداب البريطاني (1920-1948)، أدت هذه السياسة إلى هجرة كبيرة لليهود إلى فلسطين، كما تم إنشاء هياكل إدارية شكّلت لاحقًا أساس المؤسسات الحكومية لنظام إسرائيل. يتجلى التأثير الدائم لهذا القرار التاريخي في التهجير المستمر للفلسطينيين حيث تُظهر إحصائيات الأمم المتحدة الحالية وجود أكثر من 5.9 مليون لاجئ مسجل. لقد أوجد هذا القرار التاريخي أنماطًا من النفوذ والتدخل، مما أثر على سياسة بريطانيا في المنطقة لأكثر من قرن وترك إرثًا من التحديات السياسية والإنسانية المعقدة التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

في العقود التي تلت تأسيس النظام لم تقم بريطانيا فقط بتشكيل الهيكل الجيوسياسي للشرق الأوسط بل واصلت أيضًا دعمها المستمر لإسرائيل. واحدة من أبرز جوانب هذا الدعم كانت التوافق السياسي والعسكري الذي تبرز معالمه في المحافل الدولية وخاصة في مجلس الأمن الدولي. وقد دعمت الحكومة البريطانية إسرائيل مراراً وتكراراً في مختلف المناقشات، مما مهد الطريق في بعض الأحيان لتبني قرارات أدت إلى عمل عسكري أو توسيع الدعم لهذا الحليف.[1]

علاوة على ذلك استمر الدعم العسكري البريطاني لإسرائيل بشكل مستمر في العقود الأخيرة، متجليًا من خلال مبيعات الأسلحة الواسعة ونقل التكنولوجيا والدعم الدبلوماسي في الأوساط الدولية. بين عامي 2020 و2024، كانت صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل تتجاوز 442 مليون جنيه إسترليني والتي تشمل أجزاء من الطائرات الحربية وأنظمة صاروخية ومعدات الحرب الإلكترونية. ووسعت اتفاقيات التعاون الدفاعي الموقعة في عام 2023 التعاون العسكري من خلال التدريبات المشتركة وتبادل المعلومات[2]. يعارض النقاد السياسيون هذا الدعم ويعتبرون أن هذا الدعم المستمر والمنهجي هو دعم غير مباشر للجيش مما يمكّن الحكومة من تنفيذ عمليات تؤدي إلى فقدان أرواح الفلسطينيين وزيادة التوترات في الأراضي المحتلة. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر دعم لندن جزءًا من شبكة معقدة من التحالفات التي تسهل استمرار السياسات العدوانية ضد الفلسطينيين وهي نمط يستمر حتى مع تزايد المخاوف الإنسانية.

بالإضافة إلى ذلك يشر ناشطو حقوق الإنسان مرارًا إلى الدور غير المباشر للحكومة البريطانية في تفاقم العنف في المنطقة. ويعتقد العديد من هؤلاء الناشطين أن بريطانيا من خلال استمرار دعمها سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية لإسرائيل تخلق ظروفًا تُنتهك فيها حقوق المواطنين الفلسطينيين بشكل متكرر. ويقولون إن هذا الدعم قد أنشأ إطارًا يُعزز السياسات العدوانية والاستخدام المفرط للقوة واستمرار الاحتلال العسكري. تمثل هذه الرؤية نقدًا لعجز لندن عن التوافق بين إداناتها العلنية للإصابات في صفوف المدنيين وقراراتها خلف الكواليس والتي تعزز من موقف أحد الأطراف في النزاعات. إن التوتر بين هذه المواقف المتناقضة يبرز سياسة الغرب المزدوجة؛ سياسة تدين العنف علنًا ولكنها تدعم في الخفاء الاتجاهات التي تهيئ الأرضية لظهور العنف والظلم.[3]

في الواقع تضعف هذه المواقف المزدوجة أكثر مما تفيد بريطانيا مما يقلل من مصداقيتها في النظام الدولي وأمام المؤسسات الحقوقية. وقد أثر ذلك في المدى الطويل على مصداقية الدول الغربية حيث أدركت المجتمعات الغربية بعد السابع من أكتوبر أن المصالح والقوة تأتيان قبل الإنسانية والأخلاق في سياسات حكوماتها.

في النهاية يجادل المنتقدون بأنه لا يمكن فصل الدعم الشامل والمستمر من قبل بريطانيا لإسرائيل عن الأهداف الاستراتيجية الأكبر لهذه الدولة، التي تؤدي إلى تعزيز قوتها في النظام الدولي. من وجهة نظر بعضهم لا يُعتبر دعم إسرائيل مجرد تحالف يستند إلى قيم أو مصالح أمنية بل هو خطوة محسوبة نحو الحفاظ على النفوذ والقوة البريطانية على الساحة العالمية. ضمن هذا السياق يُنظر إلى الدعم الإسرائيلي ليس فقط كسياسة خارجية بل كجزء من جهود شاملة للحفاظ على الموقع الاستراتيجي لبريطانيا في النظام الدولي. في الواقع و تسعى بريطانيا إلى أن تكون قادرة على الحفاظ على نفوذها في مناطق مختلفة من العالم ويمكن أن تلعب إسرائيل في منطقة جنوب غرب آسيا دور أداة مهمة لهذه الدولة لتحقيق أهدافها الإقليمية. ومع ذلك فإن هذه الإجراءات والسياسات تحمل تكاليف أيضًا للحكومة البريطانية ويجب انتظار رؤية مدى جدوى هذه التكلفة بالنسبة لها وما إذا كانت ستستمر في اتباع هذه السياسة المزدوجة.

امین مهدوي

 



[1] economist.com

[2] aljazeera.com

[3] amnesty.org