أزمة غلاء المعيشة وشدة الفقر في بريطانيا
على الرغم من أن جميع دول العالم بما في ذلك الدول الأوروبية المتضررة من فيروس كورونا والحرب الأوكرانية تمر بأزمة اقتصادية والتضخم يضغط على أعناق شعوب هذه الدول بطريقة كئيبة، إلا أن الأدلة ونتائج الدراسات تشير إلى أن المملكة المتحدة في أسوأ وضع اقتصادي بكل المجالات والفقر بين العائلات البريطانية أسوأ مما هو عليه في الدول الأوروبية الأخرى .
يظهر التقييم الجديد لصندوق النقد الدولي أن اقتصاد المملكة المتحدة في أسوأ حالاته من جميع النواحي مقارنة بالقوى الاقتصادية العالمية الأخرى وسوف يتقلص في العام الجديد . كما فاجأت أحدث أرقام التضخم في المملكة المتحدة المستثمرين وصانعي السياسات في البلاد ، حيث ارتفع التضخم من نطاق 2 إلى 10 في المائة، والمملكة المتحدة هي الدولة الوحيدة في أوروبا الغربية التي تشهد تضخما من مرتبة الرقمين .
من ناحية أخرى تضاعفت أسعار الطاقة خلال العام الماضي ، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 80 في المائة ، وفقا للإحصاءات الرسمية . أعلن مركز أبحاث بريطاني مؤخرا أن تضخم الغذاء وصل إلى أعلى مستوى له منذ عام 2008 ، وفرض مئات الجنيهات الإضافية على التكلفة السنوية لملايين الأسر البريطانية التي تعاني من أزمة تكلفة المعيشة .
ارتفعت أسعار الفائدة بين البنوك، والتي ترتبط ارتباطا مباشرا بأقساط القروض العقارية الشهرية لملايين البريطانيين بمقدار 450 وحدة أساسية، وفرضت تكلفة باهظة على حياة الناس. أوضح مسؤولو الحكومة البريطانية أن المشاكل والتحديات الاقتصادية لن تزول هذا العام وتراجعوا عن الوعد بخفض التضخم إلى النصف بحلول نهاية العام .
أثّرَ وجود مثل هذه الظروف إلى خلق عواقب عديدة كتصاعد الفقر في المملكة المتحدة، لدرجة أن الكثير من الناس يعتمدون على بنوك الطعام في كفاحهم لتوفير الحد الأدنى من سبل العيش للبقاء على قيد الحياة . أشارت صحيفة بيغ إيشو، التي نشرت في عام 1991 إلى أن " الفقر في بريطانيا متجذر بعمق وأن ملايين العائلات في جميع أنحاء البلاد تكافح مشكلاتها المالية. كما إن الكثير من البرطانيين أصبحوا تحت خط الفقر، وأزمة تكلفة المعيشة أصابت الأسر ذات الدخل المنخفض أكثر من غيرها. وفقا للأرقام الحكومية الرسمية عاش 4.147 مليون شخص في المملكة المتحدة و 2.4 مليون طفل في فقر خلال عام 2022 ، أي واحد من كل 5 أشخاص ".
كما ذكرت صحيفة الغارديان أن النساء يجبرن بشكل متزايد على ممارسة "الجنس من أجل البقاء" بسبب أزمة تكاليف المعيشة . تحذر الجمعيات الخيرية من أن ارتفاع التكاليف إلى جانب سنوات من نقص الموارد والفقر سيجبر النساء حتى أولئك الذين يعانون من حالات نفسية على ممارسة الجنس مقابل السكن أو تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى .
كما أثرت أزمة تكلفة المعيشة على الصحة النفسية للشعب البريطاني، ويظهر تقرير أف سي اي أن حوالي 28.4 مليون شخص شعروا بالقلق والتوتر في يناير من هذا العام أكثر من ستة أشهر بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. وقال أكثر من ربع السكان (28٪) من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع من قبل هيئة الرقابة المالية إنهم فقدوا نومهم المريح بسبب مخاوفهم وقلقهم من المشاكل المالية؛ ولجأ البعض إلى استخدام بطاقات الائتمان لتوفير المواد الخام للحياة، وأنفق آخرون مدخراتهم على التدفئة. وفقا للتقرير اتخذ 11 في المائة من السكان خيار الصمت ولم يفتحوا حتى رسائل التحذير المالي.
ولكن لماذا وكيف أصبح الوضع الاقتصادي في المملكة المتحدة حرجا للغاية هكذا وأثر على حياة مواطنيها؟ أحد أهم أسباب الوضع الحالي في المملكة المتحدة هو دور المملكة المتحدة في الحرب في أوكرانيا ، حيث تواصل حكومة المملكة المتحدة دعم أوكرانيا على الرغم من الاحتجاجات والإضرابات واسعة النطاق في البلاد، مما يضع عبئا ثقيلا على دافعي الضرائب والمواطنين. يقال إن المملكة المتحدة قد نظرت مؤخرا في قرض بقيمة 500 مليون دولار للبلاد . بالنظر للقرض الجديد، فإن إجمالي الدعم الذي قدمته بريطانيا لأوكرانيا منذ بدء الحرب يصل إلى أكثر من 8.1 مليار دولار.
في مثل هذه الحالة وبدلاً من حل المشاكل المعيشية للمواطنين أظهرت السلطات البريطانية الفجوة الطبقية في هذا البلد من خلال إقامة حفل تتويج فاخر لعائلة وندسور ، والذي كلف بشكل مباشر ما لا يقل عن مائة مليون جنيه إسترليني ستدفع على أيدي دافعي الضرائب البريطانيين ، مما أدى إلى احتجاجات واسعة النطاق، والمؤسف والأكثر إثارة للاهتمام هو أن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك صرح بوضوح أنه لا ينبغي للناس أن يتوقعوا أن تكون الحكومة هي الحل لجميع مشاكلهم. بالإضافة إلى ذلك لن تزول التحديات الاقتصادية هذا العام.