هل الأمريكيون في أيامهم الأخيرة في سوريا ؟
مع مرور 12 عاما على الأزمة السورية وفشل المشروع الغربي الصهيوني، مازالت أمريكا تغلق أعينها عن الحقائق ولم تتوقف عن شن الحرب حفاظا على مصالحها ولا تريد سوريا أن ترى السلام. الولايات المتحدة التي ترى وجودها في المنطقة في خطر بعودة العلاقات الدولية مع دمشق، وضعت سيناريوهات جديدة على الطاولة ورفعت مؤخرًا مستوى التوتر مع قوى المقاومة.
تشعر القوات العسكرية الأمريكية، التي جعلت من شمال سوريا معقلها لعدة سنوات، بالقلق هذه الأيام من الهجمات المتكررة على مواقعها. وفي هذا الصدد، تم استهداف قاعدتين غير شرعيتين للاحتلال الأمريكي في حقلي النفط والغاز "كونيكو" و "العمر" بمحافظة دير الزور شرق سوريا، مساء الخميس، بطائرات مسيرة مجهولة، وزعم مسؤولون في البنتاغون أن ثلاث طائرات إيرانية دون طيار شاركت في هذه العملية، وأسقطوا إحداها.
أكدت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) هجوم طائرة مسيرة مجهولة على القاعدة العسكرية السورية في سوريا وقالت إن متعاقدًا أمريكيًا قتل وأصيب عدد آخر في هذا الهجوم. لكن هذا لم يكن نهاية القصة، ففي ليل الجمعة، تعرضت قاعدة العمر لهجمات صاروخية للمرة الثانية، وأفادت مصادر إخبارية سورية بأنه عقب هذه الهجمات الصاروخية انقطعت الكهرباء عن القواعد الأمريكية. حيث أفادت الأنباء عن إطلاق أكثر من 20 صاروخا على القاعدة الأمريكية في حقل العمر النفطي في سوريا.
وزعمت القيادة المركزية في بيان لها أن ما مجموعه 10 صواريخ أطلقت على "القرية الخضراء" شمال شرق سوريا، لكن الهجوم لم يسفر عن أي أضرار أو إصابات. وتقع القرية الخضراء في حقل العمر للغاز ويتمركز فيه نحو 900 جندي أمريكي. أكد مسؤول أمريكي إصابة أحد جنود البلاد في هجوم صاروخي على حقل غاز كونيكو في سوريا ليل الجمعة. وأعلنت وسائل إعلام أمريكية أن حالة بعض الجنود الأمريكيين الذين أصيبوا في الهجمات الأخيرة حرجة.
رد فعل انتقامي أمريكي
ولم يُعرف بعد الجهة التي نفذت هذه الهجمات، لكن سلطات واشنطن وجهت أصابع الاتهام إلى إيران وقوات المقاومة، ورداً على هذه الهجمات، نفذت عمليات شرسة ضد مواقع لقوات المقاومة في سوريا، وأعلن البنتاغون في بيان أن طائرات أمريكية استهدفت مواقع للسلطات في دير الزور يوم الجمعة. وحسب البنتاغون، فإن المقاتلات قد أقلعت من قاعدة العديد في قطر وعادوا إلى مقرهم بعد العملية.
وقال باتريك رايدر المتحدث باسم البنتاغون "نحتفظ بالحق في الرد بشكل مناسب إذا تم استهداف قواتنا"، وإننا نفذنا هجومين منفصلين على منشأتين في شرق سوريا. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه أمر بشن غارات جوية على مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني ومليشياته في سوريا. وزعم بايدن أن الولايات المتحدة لا تسعى لمواجهة عسكرية مع إيران، لكنها سترد بقوة على أي عمل لحماية أفرادها.
كما زعم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن هذه الهجمات نُفِّذت ردًا على هجوم ليلة الخميس وكذلك سلسلة من الهجمات الأخيرة ضد قوات التحالف في سوريا من قبل مجموعات مدعومة من إيران. وزعم أوستن أن أي مجموعة تهاجم القوات الأمريكية لن تكون محصنة وسيتم معاقبتها بالتأكيد.
بينما زعمت الولايات المتحدة أن طائرات إيرانية دون طيار هاجمت قواعد البلاد في سوريا، فقد اتهمت إيران بتزويد روسيا بالأسلحة عدة مرات في أزمة أوكرانيا، لكنها لم تقدم أي وثائق في هذا الصدد، وهو الأمر الذي رفضته سلطات جمهورية إيران الإسلامية بشدة، ووصفوه بأنه دعاية للغرب ضد قوة الطائرات دون طيار الإيرانية. واستُهدفت قواعد أمريكية عشرات المرات من قبل مجموعات مجهولة في العراق وسوريا في السنوات الأخيرة، ونُفذت هجمات في الآونة الأخيرة في إطار استمرار سلسلة عمليات لطرد الغزاة من هذا البلد.
وكان عدد من ممثلي الولايات المتحدة قد طالبوا قبل شهر بانسحاب 900 جندي عسكري لهذا البلد من سوريا، لكن لم يتم التصويت على هذه الخطة، وهذه المرة أبدت مجموعة من الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ يوم السبت رغبتها بعودة القوات إلى ديارها بعيداً عن الصراعات الأخيرة في سوريا. وصرح هؤلاء الجمهوريون: "من المحزن جدا أن نرى أميركيين يقتلون ويصاب جنود في سوريا. "أعيدوا قواتنا إلى الوطن من سوريا وانهوا جميع الحروب غير الشرعية اليوم".
أمريكا تحاول إظهار قوتها من خلال مهاجمة قوى المقاومة ومنعها من الاقتراب من مواقعها. لأن أمريكا الآن في وضع حرج وتحاول حماية هذه القواعد غير الشرعية بالمخالب والأسنان ومنع الاتصال الواسع بين إيران ولبنان وسوريا. لأن تعزيز جبهة المقاومة في الوضع الراهن يهدد أمن الكيان الصهيوني وهذا مقلق لواشنطن كضامن لأمن الأراضي المحتلة.
في نفس الوقت، سلطت أمريكا سيفها على سوريا في الساحة الدبلوماسية وبعد الهجمات على قواعد القوات الأمريكية في دير الزور أعلن نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن هذا البلد لن يطبع مع نظام بشار الأسد، وفي غياب تقدم حقيقي ودائم في الحل السياسي، لن يتشجع الآخرون على فعل الشيء نفسه. ويأتي هذا الموقف الجديد لواشنطن، فيما أعربت السعودية في الأيام الأخيرة عن موافقتها على إعادة فتح سفارتها في دمشق، وهذا مخالف لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة التي تحاول عزل سوريا.
تصاعد التوتر من الوجود الأمريكي غير الشرعي
فيما تبرر سلطات واشنطن هجماتها على مواقع المقاومة على أنها عمليات انتقامية ضد قواعدها، وكأن هذه القواعد تحت سيطرتها قانونيا ولا يسمح لأحد بمهاجمة هذه المواقع. تبرر الولايات المتحدة الوجود العسكري في شمال سوريا في شكل تحالف مناهض لداعش، لكن بما أن هذا الوجود حدث دون إذن من الحكومة السورية الشرعية، فإن السلطات السورية تعتبر الولايات المتحدة قوة احتلال وفق القانون الدولي.
من الواضح أن أمريكا بعد عجزها عن تحقيق أهدافها عبر الإرهابيين، أي الإطاحة بحكومة بشار الأسد الشرعية وحتى تقسيم سوريا، اختارت مسارات أخرى لمواصلة استخدام نفوذها ضد الحكومة المركزية. لذلك، منذ عام 2016، احتلت أجزاءً من شمال سوريا وأقامت عدة قواعد في هذه المناطق، وعززت موطئ قدمها يومًا بعد يوم في السنوات الأخيرة.
حذرت سلطات دمشق وموسكو مرارًا وتكرارًا من استمرار وجود القوات الأمريكية في شمال سوريا وطالبت بانسحابها، معلنة ذلك انتهاكًا لوحدة الأراضي والاحتلال، بل وجهت عدة رسائل إلى مجلس الأمن الدولي، لكن واشنطن ليست على استعداد للتراجع.
إن وجود الغزاة الأمريكيين ليس بحسن نية وبحجة مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، وإنما لنهب موارد النفط والغاز في سوريا. في السنوات الأخيرة، سرقت أمريكا مئات الملايين من براميل النفط السوري واستولت على مليارات الدولارات من خلال تصدير هذه الموارد إلى الخارج، واستمر بهذه السياسة مسؤولو البيت الأبيض من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. الآن، يتواجد حوالي 900 جندي أمريكي في القواعد غير الشرعية للبلاد في شمال وشرق سوريا، ولا يزالون منشغلين في نهب آبار النفط والغاز.
أعلنت وزارة الخارجية السورية، مؤخرا، عن قيمة الأضرار المباشرة التي سببتها هجمات القوات الأمريكية على أراضي البلاد، وقدرتها بـ 25.9 مليار دولار، منها 19.8 مليار دولار للأضرار الناجمة عن سرقة النفط والغاز السوري، وهذا يدل على وجود الأمريكان لم يُسبب شيئاً سوى خسائر السوريين.
من ناحية أخرى، من أجل إبقاء الأزمة في سوريا ساخنة، وللتمكن من أخذ ثروات البلاد الغنية كرهائن، تحاول سلطات واشنطن جمع عناصر داعش النائمة في العراق وسوريا وإحياء الجماعة الإرهابية في مناطق سورية الشمالية وجعلها غير آمنة، وقد تم نشر تقارير في الأشهر الماضية حول تصرفات الولايات المتحدة في دعم هذه المجموعة. لذلك، فإن وجود القوات العسكرية الأمريكية في شمال سوريا لم يسلب الأمن والاستقرار من هذا البلد فحسب، بل إن استمرار وجودها سيزيد من حالة انعدام الأمن.
داعش، التي تزعم الولايات المتحدة أنها تحاربها، أسسها مسؤولون سابقون في واشنطن، لكن تم تدمير قلب هذه المجموعة الإرهابية من قبل قوات المقاومة في كانون الأول / ديسمبر 2017، ولا يزال عدد قليل من عناصرها يعيشون سرا في العراق وسوريا. وبسبب قوى المقاومة لا يجرؤون على فعل أي شيء، لكن واشنطن تحاول أن تراهن مرة أخرى على الحصان المفقود بالفعل، داعش، كذريعة لمواصلة وجودها في سوريا.
في الأشهر الأخيرة انفتحت العديد من الانفتاحات في العلاقات بين الحكومة السورية ودول المنطقة العربية وتركيا للتطبيع، وهذا سيمكن الجيش السوري من مواصلة قتاله ضد الغزاة الأمريكيين بمزيد من الدعم والثقة. من ناحية أخرى، بعد بدء الأزمة في أوكرانيا، أصبحت أمريكا في حالة ضعيفة، وسوريا فهمت ذلك جيدًا، وتحاول قطع قدم أمريكا عن الأراضي السورية بأي طريقة ممكنة بعد سنوات. لأن السبب الرئيسي للأزمة السورية هو أمريكا نفسها، وإذا تم طردها من المنطقة، فسيتم تدمير الإرهابيين في إدلب بسهولة وفي أقصر وقت ممكن، وبعد 12 عامًا، من إنشاء التكفيريين ودفع تكاليفهم، سيتم تفكيك المشروع الغربي في سوريا وإغلاقه إلى الأبد.
المصدر: الوقت