سياسة ترامب في مجال الطاقة تجاه فنزويلا والرغبة في التغيير بالقوة

بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بدأت حملات مكثفة من سياسات الضغط القصوى ضد فنزويلا. إن هذه السياسات المصممة على أساس استقلال الطاقة الأميركية واستخدام الطاقة كوسيلة ضغط لا تسعى إلى إضعاف حكومة نيكولاس مادورو فحسب بل إنها تعكس أيضاً التوجهات الاستعمارية الأميركية تجاه الدول المستقلة.

مايو 24, 2025 - 04:13
 23
سياسة ترامب في مجال الطاقة تجاه فنزويلا والرغبة في التغيير بالقوة
سياسة ترامب في مجال الطاقة تجاه فنزويلا والرغبة في التغيير بالقوة

بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بدأت حملات مكثفة من سياسات الضغط القصوى ضد فنزويلا. إن هذه السياسات المصممة على أساس استقلال الطاقة الأميركية واستخدام الطاقة كوسيلة ضغط لا تسعى إلى إضعاف حكومة نيكولاس مادورو فحسب بل إنها تعكس أيضاً التوجهات الاستعمارية الأميركية تجاه الدول المستقلة.

كان تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة للولايات المتحدة أحد الركائز السياسية الرئيسية لإدارة ترامب. ومع زيادة إنتاج النفط الصخري وتحول الولايات المتحدة إلى واحدة من أكبر منتجي ومصدري الطاقة في العالم، تمكنت البلاد من تقليل اعتمادها على واردات النفط بما في ذلك من فنزويلا والشرق الأوسط.

وقد أعطى هذا التطور واشنطن جرأة أكبر في تنفيذ سياسات عدوانية ضد الدول المنتجة للنفط والتي لا تتوافق مع السياسات الأميركية. وفي حالة فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم سمح هذا الاستقلال لإدارة ترامب بفرض عقوبات شاملة على صناعة النفط في البلاد دون إثارة مخاوف جدية بشأن تعطيل سوق الطاقة المحلية في الولايات المتحدة.

من الواضح أن إدارة ترامب استخدمت الطاقة كوسيلة ضغط ضد حكومة نيكولاس مادورو في فنزويلا. منذ عام 2017 وخاصة بعد كانون الثاني 2019، عندما اعترفت الولايات المتحدة بخوان غوايدو رئيسا مؤقتا، تم تشديد العقوبات على شركة النفط الوطنية الفنزويلية والقطاعات المرتبطة بها بشكل حاد.

وشملت هذه العقوبات حظر واردات النفط الفنزويلي إلى الولايات المتحدة وعقوبات ثانوية ضد الشركات التي تتعامل مع فنزويلا، وتجميد الأصول الفنزويلية في الولايات المتحدة. وتؤكد التحليلات المنشورة في أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025 أنه على الرغم من أن هذه العقوبات أدت إلى انهيار اقتصادي في فنزويلا وانخفاض حاد في إنتاج البلاد من النفط (من أكثر من مليوني برميل يوميا إلى أقل من مليون برميل)، إلا أنها فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي وهو الإطاحة بحكومة مادورو.(1)
 
واستمرت هذه الضغوط خلال فترة ولاية ترامب الثانية كرئيس وأصدر الأمر التنفيذي رقم 14245، الذي يفرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على جميع السلع المستوردة من الدول التي تشتري النفط الفنزويلي.

وتشير سياسات ترامب إلى رغبته في إحداث تغيير في النظام في فنزويلا من خلال الضغوط الاقتصادية والتهديدات العسكرية المبطنة. ورغم عدم اتخاذ أي إجراء عسكري مباشر حتى الآن فإن استخدام أدوات مثل العقوبات الشديدة، والتهديدات بالعمل العسكري ودعم المعارضة الداخلية، يشير إلى نهج يسعى إلى إحداث تغيير سياسي في فنزويلا من خلال استخدام القوة.

تعكس سياسات ترامب تجاه فنزويلا النهج الاستعماري التقليدي للولايات المتحدة تجاه أميركا اللاتينية. إن استخدام العقوبات والتهديدات الاقتصادية ودعم جماعات المعارضة هي أدوات استخدمت في الماضي للتدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة. ولا يشكل هذا النهج تهديداً للاستقلال السياسي للدول فحسب بل يتسبب أيضا في عدم الاستقرار الإقليمي.(2)

لقد كانت لسياسة الضغط القصوى التي تمارسها الولايات المتحدة ضد فنزويلا عواقب عميقة ومتعددة الأوجه على المستويين السياسي والإقليمي:

الأزمة الإنسانية والهجرة: أدى الانهيار الاقتصادي في فنزويلا والذي تفاقم بسبب العقوبات الأمريكية إلى واحدة من أكبر أزمات الهجرة في نصف الكرة الغربي. لقد فرّ ملايين الفنزويليين من بلادهم وبحثوا عن ملجأ في البلدان المجاورة مثل كولومبيا وبيرو والإكوادور والبرازيل، مما وضع ضغوطاً هائلة على موارد وخدمات هذه البلدان.

تقوية منافسي أميركا: إن عزلة فنزويلا من قبل الولايات المتحدة دفعت البلاد نحو قوى مثل روسيا والصين وإيران. ومن خلال تقديم المساعدات المالية والعسكرية والتقنية لحكومة مادورو، عملت هذه الدول على زيادة نفوذها في المنطقة وتجاوزت بطريقة ما العقوبات الأميركية. وقد أدى هذا إلى زيادة التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة.

الانقسامات بين دول المنطقة: لقد تسببت السياسة الأمريكية الصارمة تجاه فنزويلا في حدوث خلافات بين دول أمريكا اللاتينية. وفي حين دعمت بعض الحكومات اليمينية هذه السياسة، اعتبرتها حكومات أخرى تدخلية وانتهاكا للقانون الدولي. وقد أدى هذا الانقسام إلى جعل الجهود المبذولة للتوصل إلى حل إقليمي للأزمة الفنزويلية أكثر صعوبة.

إضعاف المؤسسات المتعددة الأطراف: إن النهج الأحادي الذي تنتهجه إدارة ترامب وتجاهلها للمؤسسات مثل الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية في تعزيز سياستها تجاه فنزويلا أدى إلى إضعاف هذه المؤسسات وانخفاض فعاليتها في حل الأزمات الدولية.(3)
 
ووصفت الحكومة الفنزويلية سياسات ترامب بأنها حرب اقتصادية وأعلنت أنها تسعى إلى توسيع التعاون النفطي مع دول مثل الصين وروسيا. وأعلنت هذه الدول أيضًا دعمها لفنزويلا من خلال إدانة العقوبات الأمريكية. وتعكس هذه التفاعلات الانقسام المتزايد بين الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى بشأن السياسات التدخلية الأميركية.

ونتيجة لذلك فإن سياسة ترامب في مجال الطاقة تجاه فنزويلا تشكل مثالاً واضحاً على استخدام الطاقة كأداة للضغط السياسي والاقتصادي. ويحاول هذا النهج من خلال التأكيد على استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة وفرض عقوبات صارمة، تحقيق تغيير سياسي في فنزويلا من خلال استخدام القوة. ولكن هذه السياسات لم تواجه ردود فعل سلبية محلية ودولية فحسب، بل حملت أيضا خطر عدم الاستقرار الإقليمي وزيادة التوترات الجيوسياسية.

محمد صالح قرباني

1-https://energynews.pro/en/trump-and-maduro-the-energy-struggle-redefining-us-venezuela-relations/?utm_source=chatgpt.com
2-https://www.brookings.edu/articles/trump-has-big-plans-for-climate-and-energy-policy-but-can-he-implement-them/
3-https://www.ofcs.it/internazionale/analyzing-venezuelas-oil-industry-a-u-s-policy-imperative/?utm_source=chatgpt.com#gsc.tab=0