ماذا يعني تراجع حكومة نتنياهو؟
خلال ساعات من رد رمزي على الصواريخ التي انطلقت نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة من لبنان وغزة وسورية، قررت حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو منع المستوطنين من دخول حرم المسجد الأقصى. والقرار واضح الهدف، تفادي المزيد من التصعيد الذي قد يذهب نحو انفجار يصعب منعه من التدحرج نحو حرب كبرى لا قدرة للكيان على تحمل تبعاتها.
إذا لم يكن نتنياهو خائفاً من خطر التصعيد، لماذا يوجه هذه الصفعة القاسية لشريكيه الرئيسيين في الائتلاف الحكومي بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، ويعرض هذا الائتلاف لاختبار صعب إن لم يؤد الى انفراط عقده فسوف يؤدي حكماً إلى تراجع شعبية الحليفين اللذين بنيا شعبيتهما على خطاب التطرف الديني والقومي الذي يشكل تهويد الأقصى وتوسيع الهجمات عليه محوراً مركزياً فيه؟
قرار نتنياهو ليس عادياً، ولا حتى هو قرار سياسي، بل هو قرار استراتيجي، فعندما يربط نتنياهو القرار بنصائح المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية، ويخاطر بتحالفه الحكومي ومصير حكومته للسير بهذا القرار، ويرفق قراره بكلام واضح عن عدم الرغبة بالمواجهة العسكرية، وعن تضرر بالغ أصاب قوة الردع، والحاجة لوقت طويل لإعادة ترميمها، فهو يقول إن الكيان أولاً يخشى وقوع حرب يعتقد أن محور المقاومة بات جاهزاً لها والكيان ليس جاهزاً لها بعد وعليه أن يشتري الوقت بالتهرّب من المواجهة، عبر تقديم التنازلات لتفاديها ريثما يكون قد أكمل الجهوزية، هذا إن استطاع إكمالها.
من جهة محور المقاومة، واضح أن قرار إطلاق الصواريخ كان مخاطرة كبرى باحتمال تصعيد كبير ينتهي بحرب. وهذا يعني ترجمة ما سبق وقاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، عن أن تهديد الأقصى يفجر حرباً إقليمية، وبالتالي فإن محور المقاومة بإطلاق الصواريخ كان مستعداً للحرب، تماماً كما كان الحال بالنسبة لحزب الله مع إطلاق المسيرات نحو حقل كاريش وإطلاقه معادلة لا نفط ولا غاز من كاريش ما لم ينل لبنان مطالبه كما حدّدتها الدولة اللبنانية. والمفارقة أن نتنياهو يفعل لجهة الهروب من المواجهة بتقديم تنازل عقائدي حول القدس، هو تماماً ما فعله سلفه يائير لبيد بالتنازل في ملف ترسيم الحدود مع لبنان، وهو ينتقد لبيد ويحمّل تنازلاته مسؤوليّة تضرّر قوة الردع الإسرائيلية، والتضرّر رغم الإنكار حالة تراكمية تصاعدية منذ عام 2006 الى حروب غزة وصولاً الى سيف القدس ومعركة وحدة الساحات، وصولاً إلى الترسيم فالأقصى.
نحن أمام إعلان إفلاس حكومة ما سُمّي بأشد المتطرفين توحشاً بعد مئة يوم على ولادتها، بإعلان نتنياهو منع المستوطنين من دخول الحرم القدسي حتى نهاية شهر رمضان، ويجب النظر إلى هذا التحوّل الكبير بحجم ما يمثل.
المصدر: البناء