كيف يبدو العراق الجديد؟
في مِثل هذه الأيّام من شهر آذار قبل عشرين عامًا بدأ الغزو الأمريكيّ للعِراق، وأعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، ومن على بُعد عشرة آلاف كيلومتر بدء عمليّات القصف للعاصمة العراقية بغداد لـ”تحرير العِراق” تحت أُكذوبة أسلحة الدّمار الشّامل الكيماويّة والنوويّة.
ذاك الغزو الذي مهّد له، وشارك فيه بعض العِراقيين، وأدّى إلى استِشهاد أكثر من مِليون عِراقي، وجاء بعد حصارٍ تجويعيٍّ ظالم حصد أرواح أكثر من مِليون ونِصف المِليون آخرين واستمرّ حواليّ 12 عامًا، ذاك الغزو لم يكن من أجل تحرير العِراق، ولا الإطاحة بنظام الرئيس العِراقي، وإنّما أيضًا لتدمير العِراق. فأمريكا حشدت أكثر من 35 دولة، وحواليّ 150 ألف من قوّاتها، إلى جانب 40 ألف جندي بريطاني، بعد التأكّد من خلوّ العِراق من أيّ أسلحةِ دمارٍ شامِل، لاحتِلال هذا البلد العربيّ الأصيل، وإذلال شعبه، ونهب ثرواته، لتعزيز التفوّق العسكري الصهيوني، وهيمنته على المِنطقة، وتأمين احتِلاله للأراضي الفِلسطينيّة ومُقدّساتها المسيحيّة والإسلاميّة، وإضعاف الأمّة العربيّة وتمزيقها.
العِراق اليوم، وبعد عشرين عامًا، يعيش أوضاعًا سياسيّةً واقتصاديّةً واجتماعيّةً سيّئةً جدًّا، عِراقٌ يسوده الانقسام والفساد، والفوضى والانهيار على الصّعد كافّة، ويفتقر إلى أبسط معايير السّيادة، وما زالت أمريكا تتحكّم بإرادته، والأخطر من ذلك استمرار وجود حواليّ ستّة آلاف جندي أمريكي في قواعدٍ عسكريّة على أراضيه. العِراق بدأ السّير على طريقِ التّعافي، ولكن ببُطءٍ شديد، وما زال يحتاج إلى قِياداتٍ وطنيّة، غير طائفيّة، تُكرّس التّعايش وتُعزّز الهُويّة الجامعة والقرار السّيادي المُستقل، ومُحاسبة كُل الذين تواطئوا مع الاحتِلال ضدّ بلدهم وسرقوا ثرواته، حوّلها إلى حساباتٍ في الخارج، أمام قضاءٍ عادلٍ ومُستَقلٍّ ونزيه.
وأما أمريكا فقد ارتكبت، وما زالت، جريمةً كُبرى على أرضِ العِراق، ليس فقط عندما غزته واحتلّته، ومارست أبشع أنواع التّعذيب لمُعتقليه الشّرفاء في سجن أبو غريب، وإنّما أيضًا عندما كرّست المُحاصصة الطائفيّة وثبّتتها في دُستورٍ مُزوّرٍ وضعه الحاكم الأمريكي الأوّل الجِنرال بول بريمر، وجعله جوهر العمليّة السياسيّة الحاليّة.
عُشرون عامًا كافية، عند الدّول المُتحضّرة، لإنشاء امبراطوريّات، وخوض حُروب عالميّة، وبناء قاعدة اقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة، ووحدة وطنيّة صلبة، ولكنّ شعب العِراق الأبيّ، وطِوال العقدين الماضيين ما زال يُعاني من غِيابِ مُعظم الخدمات الأساسيّة من ماءٍ وكهرباء، وصحّة، وأمن، وتعليم، ومُواصلات، ويعيش نسبة كبيرة من أبنائه تحت خطّ الفقر رُغم تصديره ما يَقرُب من خمسة ملايين برميل من النفط يوميًّا.