كيف تواجه سوريا الصعوبات في مرحلة “إزالة آثار العدوان”؟
تضمّن بيان عمّان الذي أصدره وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية والعراق اثر اجتماعهم بوزير الخارجية السوري، التزاماً وتأكيداً عربياً على مواقف سورية السيادية المشروعة والتي قاتلت من أجلها خلال العقد الماضي في مواجهة الحرب الكونية التي استهدفتها وحشدت لها إمكانات أكثر من 83 دولة اجتمعت تحت مسمّى مزوّر “أصدقاء سورية” بقيادة أميركا التي عملت باستراتيجية “الفوضى الخلاقة” لتدمير الدول الكبرى في غرب آسيا ولإقامة الشرق الأوسط الأميركي على أنقاضها.
وبعد بيان عمان ـ الأول من أيار 2023 ـ لم تعُد مهمة كثيراً الإجابة على السؤال: متى تعود الجامعة العربية الى سورية وتعيد تقديم مقعدها لها لإشغاله وفقاً لما يفرضه حقها بالعضوية في هذا الجامعة. هذا الحقّ الذي انتهك وانتهك ميثاق الجامعة بذاته يوم قرّرت أغلبية لم تصل الى الإجماع المنصوص عليه في الميثاق تجميد المقعد وحرمان سورية من حقها بإشغاله. كان ذلك في مطلع الحرب الكونية عليها واستجابة للإملاءات الأميركية التي صدرت للعرب عملاً باستراتيجية عزل سورية واستفرادها لتدميرها، فاليوم ثبتت سورية وانتصرت دفاعياً وهزم العدوان الذي استهدفها وسقط المشروع الذي حمله هذا العدوان ووجد العرب أنفسهم أمام حقيقة لا يمكن الهروب منها مهما كانت المكابرة ومهما كانت الضغوط، حقيقة انتصار سورية وحلفائها في محور المقاومة، وبات التعامل مع هذه الحقيقة هو ما يمليه العقل والمنطق السليم.
فالذي يهمّ سورية ليس الشكل والقرارات التي تبقى حبراً على ورق، بل ما يعنيها هو العلاقات الجدية التنفيذية التي تعتمد لها آلية تنفيذية مناسبة تخدم أهداف سورية الاستراتيجية والتي تتضمّن حقها بوحدة أراضيها وسيادتها عليها من دون أيّ مسّ او انتهاك كما وحقها في الأمن والاستقرار وتحقيق الرفاه الاجتماعي لشعبها، وطبعاً حقها في لعب الدور الاستراتيجي الذي تؤهّلها له جغرافيتها السياسية من منظور ذاتي وإقليمي ودولي. وطبعاً تكون العلاقات مع الدول العربية الأساسية ودول الجوار السوري هي التي تتقدّم على ما عداها في شبكة العلاقات التي تهمّ سورية في المرحلة الراهنة. وهذا ما تضمنه أو أوحى به بيان عمّان 2023 حول سورية.
هذه هي الأهداف التي عملت سورية خلال الحرب الدفاعية على تحقيقها ونجحت في ذلك نجاحاً كان ثمنه باهظاً بدون شكّ، ولكن مهما كان قدر هذا الثمن يبقى أقلّ بكثير من الثمن الذي كانت ستدفعه لو انتصر العدوان عليها لأنها في تلك الحالة ستخسر وجودها بذاته. لكنها عرفت كيف تختار وعرفت كيف تدافع عن خياراتها وعرفت كيف تحالف مَن هم صادقون في دعم تلك الخيارات ووصلت الآن الى الوضع الذي يمكنها من القول بأنها انتصرت في المواجهة وانتقلت الى مرحلة جديدة هي مرحلة إزالة آثار العدوان واستعادة وضعها الطبيعي.
بيد أنّ أميركا التي خطّطت وقادت العدوان والحرب الكونية على سورية، و”إسرائيل” التي كانت تمنّي النفس بسقوط سورية واندثارها، تبديان من المكابرة في رفض الإقرار بهزيمة العدوان ما يحملهما على الاستمرار في العدوان وانْ بأهداف تختلف عن سابقاتها. فأميركا تعتمد استراتيجية “إطالة أمد الصراع” لتمنع سورية من الاستفادة من انتصارها والعودة الى حياتها الطبيعية، ولذلك نجد كيف أنّ أميركا تبقي على احتلالها لقسم من الأراضي السورية في الشرق والشمال الشرقي وتحتضن الحركة الانفصالية الكردية (قسد) وتنشط المجموعات الإرهابية (داعش) وتضغط على دول عربية لحملها على رفض عودة سورية الى الجامعة العربية فضلاً عن عرقلة ومنع عودة النازحين السوريين الى سورية، وتستمر في شنّ الحرب الاقتصادية والحصار بمقتضى ما تسمّيه “قانون قيصر”. أما “إسرائيل” فإنها تستمرّ في ارتكاب العدوان الناري المباشر على سورية بالطيران او المدفعية والصواريخ لتوحي بأنّ الحرب مستمرة وتدفع الإرهابيين الى التمسك بأوكارهم في الميدان خدمة للاستراتيجية الأميركية أيضاً.
لكن سورية التي أتقنت تخطيط دفاعها وفقاً لجداول أولويات وضعتها وأثبتت جدواها، تقوم اليوم أيضاً باعتماد جداول أولويات تناسب “مرحلة العودة الى الحياة الطبيعية وتصفية آثار العدوان والعودة الى تثبيت شبكة العلاقات الدولية التي تعنيها وتخدم مصالحها الاستراتيجية، وفي هذا السياق تبدي سورية اهتماماً بمسائل أو ملفات أساسية خمسة كالتالي:
1 ـ ترميم اقتصادها وتفعيله بالاعتماد على ما تبقى من قدرات اقتصادية وما يتوارد منها من الحلفاء، ورغم صعوبة المهمة فإنّ سورية توليها الأهمية القصوى، لأنها تعلم بأنها المدخل السليم للعودة الى الحياة الطبيعية.
2 ـ تعزيز وتمتين أواصر تحالفاتها الاستراتيجية الإقليمية والدولية خاصة في إطار محور المقاومة في ظلّ المتغيّرات الدولية التي يشهدها العالم في مرحلة الانتقال الى عالم متعدّد الأقطاب والمجموعات الاستراتيجية، وهنا تبدو الأهمية الاستثنائية لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى دمشق وما ينتظر أن يتمخض عنها من اتفاقات وتفاهمات سياسية واقتصادية فضلاً عما هو قائم في المجال الأمني والعسكري وهذا ما يغضب أعداء الطرفين.
3 ـ تصفية الاحتلالات الأجنبيّة للأرض السورية، واجتثاث الإرهاب من إقليمها، وهنا تبدو أهمية اللقاءات الرباعية التي تجمع مسؤولين سوريين الى أقرانهم في إيران وروسيا وتركيا من أجل إزالة الاحتلال التركي ووقف دعم تركيا للجماعات الإرهابية والاستثمار بالإرهاب.
4 ـ تنشيط العلاقات السورية العربية، وهنا تبدو أهمية لقاء عمان الرباعي الذي انضمّ اليه وزير الخارجية السوري وشكل في ما شكله وما تمخض عنه نقلة نوعية في مجال العلاقات السورية العربية.
5 ـ العمل على توفير الشروط والمقتضيات اللازمة لشبك العلاقات السورية مع القوى الدولية الفاعلة خاصة الشرقية منها. وهنا تبدو أهمية العلاقات المميّزة التي تربط دمشق بروسيا او التي يعمل الطرفان على تطويرها وتعزيزها، كما وتظهر في العلاقات السورية الصينية التي تتخذ مساراً إيجابياً مميّزاً يحرص عليه الطرفان بكلّ جدية واهتمام.
العميد د. أمين محمد حطيط