دلالات وإنذارات الوضع السوداني

مايو 1, 2023 - 15:56
دلالات وإنذارات الوضع السوداني
دلالات وإنذارات الوضع السوداني

ربما يحتاج الوضع بالسودان لمزيد من الوقت لاكتشاف المحرك الرئيسي للأحداث والدفع بالوضع لمرحلة الاشتعال، رغم وجود أسباب موضوعية وتراكمات وشواهد تقود إلى الانفجار.

والخروج حاليًا بنظرية عن الأطراف الدافعة أو التي تدير الصراع ربما لا ينطوي على دقة كبيرة رغم تواجد أطراف ترعى الصراع وتنحاز بشكل شبه علني لطرف دون آخر من الأطراف المتقاتلة، ووجود مصالح لا تخطئها العين لقوى إقليمية ودولية تكمن وراء اشتعال الوضع وانتصار طرف بعينه على الآخر.

وللخروج من دائرة النظريات والتي قد يضعها البعض ضمن نظرية المؤامرة، ولأن انفجار الوضع له عوامل ذاتية أيضًا منعزلة عن المؤامرات الإقليمية والدولية، ربما يحسن الانتظار لمزيد من الوقت للخروج بصورة كاملة عن الوضع ومحركيه والمؤامرة الحقيقية من ورائه، ولكن ما نناقشه هنا هو القدر المتيقن من خطورة الوضع وانعكاساته وارتداداته المتوقعة على المنطقة.

فهناك دلالات لهذا الانفجار ينبغي رصدها واعتبارها جرس إنذار خطير لما يمكن أن تشكله من انعكاسات وما تفتحه من أبواب خطيرة لأحداث أخرى بالمنطقة ودولها، وذلك على النحو التالي:

أولًا: المساواة بين الجيوش الوطنية والميليشيات والتعاطي بنوع من الشرعية مع الميليشيات المسلحة خارج نطاق الدولة على المستوى الإقليمي والدولي، والوقوف على الحياد بشكل معلن ومناشدة كافة الأطراف للتعقل والتفاوض والتسوية السياسية، وهو أمر بالغ الخطورة.

وبصرف النظر عن التقييم السياسي لدور الجيش السوداني وعلاقته بمطالب الشعب داخليًا أو انحيازاته السياسية خارجيًا فهو الممثل للدولة السودانية والمنوط به حماية السيادة ووحدة الأراضي السودانية، وبالتالي فإن التعاطي الإقليمي والدولي مع طرف مسلح يواجه الجيش، هو نوع من أنواع هدم الدولة السودانية وإسباغ الشرعية على أي تمرد مسلح يمكنه تقسيم البلاد والمساس بأمن المواطنين، طالما امتلك هذا الطرف المسلح علاقات دولية، أو شكل واجهة لمصالح بعض القوى الدولية والإقليمية.

هذا المستجد السياسي والذي فرض نفسه ينذر بإمكانية تجدده وتكراره في دول أخرى ويشجع كل طامح للسلطة بأن يعد عدته العسكرية عبر تسليح ميليشيات تابعة له، وعدته السياسية عبر التوافق مع جهات راعية إقليمية ودولية، وإعلان استعداداته لتحقيق مصالح الرعاة، ثم الدخول في اشتباكات مسلحة مع الجيوش الوطنية وترك الأمور لمنطق القوة والغلبة في ظل غياب تام لقيود الدولة والشرعية، وفي ظل اطمئنان تام لتوفر غطاءات سياسية.

هذا الأمر هو نذير فوضى سياسية ولا يمكن فهم الصمت الدولي أو الموقف الدولي المحايد إلا في إطار رعاية هذه الفوضى وأنها على الأقل تحقق مصالح دولية وإقليمية حتى لو لم يكن مخططا لها!

ثانيًا: حجم الضغوط الاقتصادية والسياسية على الدول أصبح يفوق طاقتها على امتلاك الحد الأدنى من المقاومة إذا ما تعلق الأمر بأمنها القومي بشكل مباشر، حيث نلمح صمت وحياد أقرب للإذعان، من دول الجوار للسودان، وخاصة بلد بحجم مصر، لطالما دافعت عن سيادة الدول وانحازت للجيوش الوطنية، بينما نرى موقفها مقيدًا وتبدو مكتوفة وهي تعلن الحياد رغم تناقض ذلك مع الأمن القومي المصري ومع جوهر وحقيقة الموقف المصري.

وهذا أيضًا يعطي انذارًا مضافًا بأن بعض الدول الإقليمية الكبرى ربما تمارس عليها ضغوطًا وتضطر لقبول أوضاع تناقض أمنها تحت وطأة الضغوط الاقتصادية وتأثيراتها على القرارات السيادية.

ثالثًا: لا يتعلق الصراع ببعد وحيد ينحصر في السلطة، فمن الوارد أن تكون هناك قوى تحمل قضية وطنية وتخطئ الطريق باللجوء للحروب الأهلية، ولكن الأمر هنا يتعلق بمصالح فوق وطنية، وتشكيل عصابات تنهب موارد الدولة لتهديها للرعاة الإقليميين أو الدوليين مقابل الشرعية والدعم وتوفير الغطاء لاعتلاء السلطة.

وهو أمر ينذر بتشكيل عصابات نهب وإرهاب تنسق مع رعاة بالخارج والعمل بالوكالة لصالحهم وتوفير الغطاء السياسي الدولي عبر المناشدات والدعوات للتسوية والتفاوض مما ينتج عنه على الأقل انقسامات وثنائيات بالسلطة ووضع فوضوي.

رابعًا: الملاحظ هو تراجع دور الشعوب ووزنها بالمعادلات السياسية، فاصبحت الصراعات بين قوى مسلحة متنافسة في ظل غياب دور شعبي أو على الأقل رادع شعبي للأطراف المتنازعة، وهو ما يجب أن يشكل رسالة إنذار قوية للشعوب لبلورة دور شعبي وطني مستقل عن الاحتجاجات الفئوية والحزبية التي أفقدت العمل الشعبي وحدته وزخمه وقوته المفترضة.

هنا نجد أمامنا رسائل إنذار للأنظمة وللقوى السياسية وللشعوب، يمكن إيجازها كما يلي:

- يجب على الأنظمة تنحية الجيوش عن العمل السياسي سواء في تركيبته وقياداته وفي أدواره، وجعله جيشًا وطنيًا متخصصًا بحماية السيادة والأرض وكامل فئات الشعب، وعدم استخدامه للاستقواء على الشعوب وعدم فتح الباب لأي اختراقات خارجية له سواء بالتمويل أو التوجيه السياسي المؤثر على العقيدة العسكرية مقابل الدعم، لعدم فتح باب الانقسامات وقطع الطريق على تشكيل ميليشيات فئوية، وكذلك لتوفير الدعم الشعبي القائم على الإجماع على دور الجيش والارتضاء بشرعيته.

- على الأنظمة توفير الحد الأدنى من الاستقلال الاقتصادي والسياسي بما يكفل لها امتلاك القرار السيادي والموقف الملائم والمتناسب مع أمنه القومي في الأزمات والصراعات.

- على القوى السياسية الكف عن النكايات السياسية وعليها تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والطائفية وأن يكون لها موقف واضح من السيادة وما يترتب عليها من مواقف عند الأزمات بمعزل عن النكايات والخلافات.

- على الشعوب أن تكف عن سلبيتها أو الاكتفاء بالانسياق وراء الدعايات، وأن تبرز قوى شعبية تبلور القضية الوطنية والمطالب الشعبية المنبثقة منها حصريًا.

إن ما يحدث يهدد نوعين من الدول بشكل عاجل، وهي الدول التي فرطت في أمنها القومي وارتهنت للخارج بشكل مفرط، وكذلك الدول التي ارتضت بالفراغ السياسي لفترات طويلة ولا تستطيع تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة.

إيهاب شوقي