جرائم الحرب البريطانية في افغانستان.. تساؤلات دون إجابة!
لا يمكننا ان نعتبر جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات البريطانية في افغانستان مجرد حوادث غير متعمدة، بل نظرا لتتبع تاريخي بسيط لأمثال هذه الجرائم، نجد أنها متجذرة في سلوكيات وتوجهات الأسرة الحاكمة في بريطانيا.
فبعد انتشار معطيات عن مقتل عشرات المدنين الافغان على يد القوات البريطانية خلال العقد الماضي، بادرت السلطات البريطانية الى فتح تحقيقات في هذا المجال. واللافت في الامر ان هذا التحقيق لا يغطي جرائم الحرب المرتكبة قبل 2010، ويركز فقط على الفترة التي كان حزب العمال يدير السلطة، ما يعني انه يدخل في حيز المنافسة الانتخابية للدخول الى المعترك الانتخابي في 2024. فضلا عن انه يضفي على الغرب صفة المدافع عن حقوق الانسان، إضافة الى تحويل الملف من حالة الجرائم المنتظمة الى الحالة الفردية، وصولا الى تمييعه وإغلاقه، ولعلها ايضا تختلق مبررا لما قامت به محكمة الجزاء الدولية ضد بوتين.
ان جرائم القوات البريطانية في افغانستان تشير الى ان بريطانيا التي تشدقت دوما الى جانب أميركا بإنقاذ البشرية وتحت هذه الذريعة تدخلت في العديد من الدول واختلقت ضدها الملفات تحت ذريعة الدفاع عن الشعوب، وهذا ما شهدناه في احداث الشغب في ايران الخريف الماضي. ومن الواضح ان هذه السلوكيات التدخلية ناجمة عن توجه متجذر لدى بريطانيا وليس مجرد توجهات حزبية او فردية.
كما ان الامر لا يخرج عن حالتين؛ اما ان تكون السلطات والاجهزة الرقابية والامنية البريطانية من الضعف بحيث لم يمكنها رصد ومتابعة ما قامت قواتها من جرائم في افغانستان، أو انها على علم بذلك لكنها اعتمدت الكتمان والتعتيم عمدا.
ونحن نرجح الاحتمال ثاني نظرا للماضي الطويل للمخابرات البريطانية وامتلاكها احدث وأدق الاجهزة، ويؤكد ذلك ان المنظمات العالمية حذرت مرارا من نوع سلوكيات القوات البريطانية في الدول المنكوبة بالحرب، الا ان لندن تجاهلت هذه التحذيرات بكل بساطة، بل حتى تم منح اعلى الاوسمة لبعض مرتكبي جرائم الحرب، مثلما فعلت الملكة البريطانية مع "توني بلير" الثعلب الماكر الذي شارك مع بوش في غزو العراق، حيث ارتكبت القوات البريطانية والاميركية افظع الجرائم.
ولا ينبغي ان ننسى جرائم البريطانيين في المستعمرات، كالهند وايران (إبادة 9 ملايين انسان في ايران خلال الحرب العالمية)، وإبادة 150 ألف طفل محلي في كندا الخاضعة للتاج البريطاني، وغيرها من الجرائم البريطانية المنتظمة ضد البشرية.
وكشاهد على ذلك، يقول الامير هاري ابن الملك البريطاني في مذكراته: "اثناء القصف وإبادة 25 افغانيا لم اكن أشعر انهم بشر، بل انهم مجرد بيادق شطرنج سقطت على الارض".
والتناقض هنا، هو ان اغلب لجان تقصي الحقيقة في هكذا جرائم، يتولى الغرب تشكيلها، يعني ان النتائج معروفة سلفا، مثلما حدث للكثير من الملفات المماثلة، حيث يتم تمييعها او اخفاء الادلة واتلافها او إغلاق الملفات بشتى الذرائع، مع إضفاء صفة حقوق الانسان على انفسهم.
والآن السؤال المطروح هو: وسائل الاعلام الغربية بما فيها بي.بي.سي التي حازت قصب السبق في اتهام الدول الاخرى بانتهاك حقوق الانسان، كيف التزمت الصمت تجاه جرائم الحرب المنتظمة والسافرة من قبل القوات البريطانية والتعتيم الذي مارسته لندن تجاهها؟ إن تكرار هذه الازدواجية من قبل الاعلام الغربي يعرض مهنيته لتحديات كبيرة، ويشير ان هذا الاعلام لا يشعر بأي وخزة ضمير من مساندته وتحالفه مع القوات الغربية الإجرامية.
المصدر: فارس