جرائم الحرب الإسرائيلية المتراكمة وسياسة تجاهلها الممنهجة
المساعد الخاص لرئيس أركان الجيوش المشتركة الأميركية سابقاً -1989- 1993 ورئيس هيئة موظفي وزارة الخارجية -2002-2005 لورانس ويلكيرسون، كتب في 17 آذار الجاري مقالاً في المجلة الإلكترونية الأميركية «أنتي وور» تحت عنوان «الحقيقة المأساوية لموت راشيل كوري»، جاء فيه: «في 16 آذار قبل عشرين عاماً شهد العالم مأساة تسببت بها إسرائيل بعد أن منح الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش رئيس حكومة إسرائيل أريئيل شارون في ذلك الوقت صفة «رجل السلام» فبدأ شارون بمسيرته لمعاملة الفلسطينيين باجرام وقوانين عنصرية في الحرب التي شنها ضدهم».
ويضيف ويلكيرسون: «وكان ما شهده العالم من شارون هو قيامه بجريمة شديدة الحساسية بقتله امرأة أميركية تبلغ 23 عاماً ذات مشاعر حماسية كانت غايتها الصارخة ببساطة هي الدفاع عن بيوت الفلسطينيين ومنع هدمها من قبل الجيش الإسرائيلي حيث قتلها بجرافة مسلحة حين حاولت دفعه إلى عدم تدمير بيت آخر في قطاع غزة».
يقول ويلكيرسون: «حين جاء والدا راشيل إلى واشنطن طلبا للمساعدة من الإدارة الأميركية، كنت في ذلك العام أعمل رئيساً لموظفي مكتب وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولين باويل، فأصبحت على علاقة بالموضوع، لكننا لم نتمكن من إجبار الحكومة الإسرائيلية على أن تكون صريحة وصادقة أو حتى مؤدبة في نهاية المطاف وكان ردها هو الإنكار المطلق لأي مسؤولية وهو ما فعلته نفسه في عملية الاغتيال الوحشية للصحفية شيرين أبو عاقلة المواطنة الأميركية الأخرى بعد عشرين عاما».
يعترف ويلكيرسون أنه لم يجد حلاً سوى حث والدي كوري على التوجه للمحكمة العليا الإسرائيلية التي لم تنصف هذين الوالدين وأضاف: «سوف يتهمونني الآن بمعاداة السامية بسبب هذه التصريحات علماً أنني أخشى على مستقبل هذه الدولة وعلى بلادي التي تقبل دون أي سؤال سياسة إسرائيل وقياداتها».
وإذا كنا قد اعتمدنا مثل هذه الانتقادات للسياسة الإسرائيلية والأميركية من قبل مسؤولين أميركيين سابقا، فإن كل ما يقدمونه من انتقادات وملاحظات على هذه الجرائم غالباً ما يتحول إلى مجرد انطباعات عابرة لا تغير عند الجد، ولو جزءاً يسيراً من السياسة الأميركية التي تبرر للكيان الإسرائيلي كل جرائمه المتواصلة منذ عام 1948، حتى حين يكون ضحاياها من المواطنين الأميركيين وحتى لو قرر الجمهور الأميركي ومعه الرأي العام العالمي عرض كل جرائم تل أبيب ضد المواطنين الأجانب من غير الفلسطينيين، ويشهد العالم كله أن جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين المسلحين يقتلون كل شهر أعداداً من الفلسطينيين ويصيبون مئات آخرين بجراح ويهدمون بيوت العشرات منهم في الحرب التي يشنونها ضدهم وبالمقابل تتصدر الإدارة الأميركية ومحاكمها عملية الدفاع عمن يقتل من الأميركيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية أثناء الأحداث في الأراضي المحتلة، وتدين الفلسطينيين بقتلهم وتفرض دفع التعويضات المالية الخيالية لعائلاتهم.
وإضافة إلى ذلك، تقوم الإدارات الأميركية بكل أشكال الدعم المباشر للجمعيات والهيئات التي تشكلها إسرائيل باسم «عائلات الضحايا الإسرائيليين من أصل أميركي»، للقيام بنشاطات إعلامية وسياسية ضد الفلسطينيين، على حين تحظر الولايات المتحدة وأوروبا بتحريض إسرائيلي على أي هيئة أو جمعية فلسطينية تدافع عن حقوق الضحايا الفلسطينيين من أصل أميركي القيام بأي نشاط يندد بإسرائيل وجرائمها ضدهم بل تعد نشاطهم في هذا الإطار «معاداة للسامية» وتحظر على وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية تغطية الأخبار والنشاطات التي تطالب بإدانة الكيان وفرض العقوبات عليه، وعلى قاعدة مشابهة تتواطأ رئاسة الأمم المتحدة مع هذه السياسات الأميركية والغربية لحماية إسرائيل وتغطية كل أشكال عدوانها ضد الفلسطينيين، وبهذه الطريقة تمتنع الأمم المتحدة عن حماية أطفال فلسطين الذين قتلت قوات الاحتلال منهم بموجب إحصاءات منظمة «بيتسيليم» داخل إسرائيل 2171 طفلاً خلال العقدين الماضيين وتعتقل مئات الأطفال من سن 12 عاماً إلى 15 عاماً وتفرض عليهم أحكاماً بالحبس بموجب تقرير «المنظمة الدولية لحماية الأطفال» عام 2021 وكل هذه الجرائم ضد الإنسانية لا يحتاج معظمها إلى إثباتات داخل الأراضي المحتلة وغالباً ما تظهر في معظم وسائل الإعلام المحايدة منذ عقود كثيرة وتتجاهلها الولايات المتحدة والأمم المتحدة بهدف منع ما تفرضه عليها من إدانات وعقوبات آن أوان استحقاقاتها من واشنطن وتل أبيب.
المصدر: الوطن