تفشي العبودية الحديثة في دول الخليج الفارسي.. ممارسات تدحض زيف الوعود الإصلاحية
تفشي العبودية الحديثة في دول الخليج الفارسي.. ممارسات تدحض زيف الوعود الإصلاحية
بعد مرور قرابة 100 عام على اعتماد الإتفاقية الخاصة بالرق الموقعة في عام 1926، وبعد حوالي 20 سنة على بروتوكول باليرمو، لايزال ملايين الأشخاص حول العالم يعانون من ممارسات العبودية الحديثة وتطوراتها في تقييد حرياتهم وخياراتهم الحياتية وسيطرتها على مختلف تفاصيل حياتهم.
والمقصود بمصطلح "العبودية الحديثة" هو كل ما من شأنه أن يقيد حرية الإنسان بأساليب منهجية تساهم في الحد من قدرته على الاختيار بأريحية وتجبرهم على فعل أشياء خارج إرادتهم.
ويشمل ذلك العمالة القسرية والزواج القسري الاستغلال الديني والجنسي، إضافة إلى استغلال الأطفال أو بيعهم او نقلهم من مكان إلى آخر بطريقة غير شرعية. (1)
وتنص المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه لايجوز استرقاق أي شخص أو استعباده، ويحظر الرق وتجارة الرقيق بجميع أشكالها.
وكشف مؤشر الرق العالمي للعام 2023 أن كلا من كوريا الشمالية وأريتريا وموريتانيا تسجل أعلى مستويات للعبودية في العالم، كما حلت ضمن الدول العشر الأولى حول العالم السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت بسبب أنظمة الكفالة التي تطبقها في التعامل مع العمال الأجانب، الأمر الذي يساهم في تقييد حرية هؤلاء والتمهيد لاستغلالهم من قبل كفلائهم وأصحاب عملهم.
ووفقا للمؤشر، فإن حوالي 50 مليون إنسانا في أنحاء العالم يعانون من تداعيات العبودية الحديثة، بزيادة حوالي 10ملايين شخص عن المعدل خلال الخمس سنوات الأخيرة، ويشمل الرقم نحو 28 مليون شخصا يعانون من العمالة القسرية، و22 مليون آخر يتحملون العواقب الوخيمة للزواج القسري.
وتعود أسباب تفاقم العبودية الحديثة في الآونة الأخيرة إلى جملة من المتغيرات الدولية على المستويات السياسية والاقتصادية والمناخية والصحية حول العالم، مثل انتشار النزاعات المسلحة في العديد من الدول ومايعقبه من انفلاتات أمنية وتهجير للسكان من أماكن الصراع مما يجعل هؤلاء أكثر عرضة للاستغلال والتحكم بمصيرهم.
كما ساهمت التغيرات البيئية والمناخية الأخيرة وانتشار فيروس كوفيد 1 في زيادة أعداد ضحايا العبودية الحديثة بشكل أكبر.
وقد انتقدت منظمة "ووك فري" استيراد المنتجات التي غالبا ما تنتج تحت ظروف الإكراه، وأظهر التقرير أنه يتم استيراد المنتجات بقيمة 468 مليار دولار إلى دول مجموعة العشرين كل عام وتشمل الالكترونيات وزيت النخيل والملابس.
وقال "جريس فورت" المدير المؤسس ل "ووك فري" في بيان له: "تتغلغل العبودية الحديثة في كل جانب من جوانب مجتمعنا، إنها منسوجة في ملابسنا، وتضيء أجهزتنا الإلكترونية وتتبل طعامنا" (2)
وضمن أعمال الدورة الحادية والعشرين، وذلك بعد جلسة عقدتها الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان التابعة للمنظمة، حذّرت منظمة التعاون الإسلامي من خطورة العبودية الحديثة وعمالة الأطفال غير القانونية؛ والصعوبات التي تعترض تنفيذ أي قرارات أوتوجيهات من شأنها حماية الأطفال وتهيئة ظروف مناسبة لتربيتهم وتعليمهم وتنمية مواهبهم.
وبيّنت الجلسة أنه على الرغم من الاهتمام المتزايد بمخاطر وآثار العمليات التجارية على حقوق الإنسان، ووضع المبادئ التوجيهية والمبادرات والسوابق القضائية، فإنه لا تزال العديد من التحديات والعقبات تقف أمام إحراز التقدم المنشود بشأن الخيارات التي يتعين اتخاذها. ولا تزال الأمثلة كثيرة على استغلال العمال ، والاتجار بالنساء، والاستغلال الربحي للمهاجرين. (3)
ويعد نظام "الكفالة" المتبع في السعودية من أكثر الأنظمة التي تعرض العمال الأجانب لبراثن العبودية الحديثة وتجعلهم ضحية لأسوء أشكال الاستغلال من قبل الشركات والمصانع التي يعملون بها وقد يصل الأمر أحيانا إلى داخل المنازل حيث تتعرض الخادمات الأجنبيات القادمات من دول أفريقيا أو أسيوية إلى أسوء أشكال العنف المنزلي الممارسات القمعية من قبل الأهالي.
وفي الإمارات العربية المتحدة ليس الوضع بأفضل بالنسبة للمغتربين، حيث يمر العامل الأجنبي بمراحل خطيرة مثل العمل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة دون راحة الأمر الذي يكلفه حياته أحيانا، علاوة على تعرضه للضرب من جانب كفيله أو من قبل الشرطة الذين قد يعتقلونه دون سبب يذكر أو يتم تجريده من جواز سفره وترحيله قسريا. (4)
ورغم الوعود من قبل الدول الخليجية بإلغاء نظام "الكفيل" إلا أنه لايوجد أي تنفيذ على أرض الواقع بحجة ضمان سداد الديون والالتزامات التي تكون على العامل الأجنبي عند مغادرته.
ويعتقد مراقبون أن مواقع التواصل الإجتماعي ساعدت على تسليط الضوء على هذه القضية. حيث يتطرق الناس بشكل متزايد على منصات التواصل الاجتماعي إلى قضية العبودية في الخليج وجذورها الاجتماعية والعرقية مع إشارة محددة إلى السكان ذوي البشرة السمراء.
بدوره يرى الباحث المستقل في التاريخ الحديث لدول الخليج عبد الرحمن الإبراهيم أن القوانين الحديثة التي تم تمريرها لتعزيز الوحدة الوطنية حظرت التطرق إلى ملف "العبودية" تحت ذريعة أن مثل هذا الأمر قد يؤجج الانقسامات داخل المجتمعات الخليجية. وأضاف الإبراهيم أن هذا مثل عائقا أمام مهمة الباحثين في إجراء أبحاث عن تاريخ العبودية في الخليج بعد صدور قوانين الصحافة والطباعة والنشر في البحرين والكويت.
إن هذه القوانين منعت الأفراد بشكل عام والباحثين بشكل خاص من مناقشة القضايا الحساسة التي يحظر التطرق إليها، فحتى إذا تم الحديث عن ملف العبودية في الإطار الأكاديمي وتحقيق العدالة الاجتماعية، فإن الأمر من شأنه أن يثير استياءً شديداً.
المصادر :
1- https://cutt.us/e3zQt
2-https://cutt.us/E3OFU
3-https://cutt.us/AHkar
4-https://cutt.us/0VH6a