تآكل ردع الكيان الإستراتيجي بعد اتفاق الرياض– طهران
أصبح من الواضح أن الكيان الإسرائيلي تلقّى ضربة شديدة لم يتوقعها في الأسابيع الماضية حين جرى الإعلان من بكين عن اتفاق سعودي إيراني لتطبيع العلاقات بين الدولتين والعمل على حل كل الخلافات بينهما بهدف تمتين العلاقة وحماية استقرار المنطقة، وقد قوض هذا الاتفاق جميع الخطط التي وضعها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالذات منذ عام 2009 حين تولى رئاسة الحكومة، وأعلن عن تعهده بإعطاء الأولوية القصوى لموضوع شن حرب على طهران، وتحريض عدد من الدول العربية للمشاركة معه في حرب ضدها بهدف منعها من تطوير قدراتها العسكرية، ومن دعم سورية والمقاومة ضد الكيان الإسرائيلي.
بلحظة واحدة وبشكل مفاجئ جداً انقلب السحر على الساحر الإسرائيلي وأصبح معزولا في هذه المنطقة بعد أن استمات لعزل إيران عن الدول الشقيقة في المنطقة خلال أكثر من عشر سنوات، وتضاعفت شدة هذه الضربة القاسية للكيان حين عادت العلاقات بين الرياض ودمشق إلى طبيعتها، وبهذا الشكل تم إحباط الخطة الإسرائيلية لتمزيق علاقات دول المنطقة العربية والإسلامية وضرب بعضها بعضاً، وانطلق قطار التضامن العربي لشعوب وحكومات المنطقة بما يخدم مصالحها ويقوض المخططات الشريرة للكيان الإسرائيلي، وبدأ الدور الصيني يمسك بزمام المبادرات الناجحة متجاوزاً سياسة الابتزاز الأميركي وضغوطها على دول المنطقة.
زالمان شوفال، وهو أحد السفراء الإسرائيليين سابقاً في الولايات المتحدة، اعترف في تحليل نشره في صحيفة «يسرائيل هايوم» في 27- نيسان الجاري بأن «إسرائيل أخذت على حين غرة وفوجئت جداً حين أعلنت بكين أمام العالم عن اتفاق تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران برعاية من الصين»، وحذر شوفال من خطورة تزايد الدور الصيني في المنطقة وخاصة أمام العجز الأميركي الذي جعل واشنطن تتلقى مع إسرائيل ضربة مزدوجة من السعودية ومن إيران معاً، وهما أكبر قوتين اقتصاديتين في المنطقة، إضافة إلى الاختراق الذي فرضته الصين على النظام العالمي الأميركي بعد هذا النجاح في الجمع بين طهران والرياض تحت مظلة صينية، وهذا ما سوف يزيد من الصعوبات التي ستواجهها واشنطن وتل أبيب معاً في التحرك داخل ساحة الشرق الأوسط.
في الجانب الأمني يرى رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مانويل تاختينبيرغ في ندوة عقدها لرجال الأبحاث في المركز قبل أسبوع أن «ما حدث بين الرياض وطهران بمبادرة صينية يشكل منعطفاً إستراتيجياً خطراً على مصالح إسرائيل، وتزداد خطورته بسبب الأزمة الداخلية حول الإصلاح القضائي المختلف عليه بين الأحزاب»، واعترف أن «قدرة الردع الإستراتيجي الإسرائيلية تآكلت وهي ستزداد تآكلاً مع تطور العلاقات بين الرياض وطهران ودمشق»، وأضاف: إن هناك أربعة عوامل «تؤثر بشكل حاد على حصانة الأمن القومي الإسرائيلي وهي بمجملها تؤكد أننا نواجه تحولاً استراتيجياً في المنطقة، وهذه العوامل هي: 1- الأزمة الداخلية واستمرارها 2- وجود جبهات حرب متعددة لم نستطع تخفيض عددها 3- الانفراج في العلاقات بين دول المنطقة بما لا يرضي إسرائيل 4- أزمة الولايات المتحدة وانعكاسها على حالة الضعف في علاقاتها مع إسرائيل».
ولا شك أن ما يحدده رئيس المركز يدل على أن الكيان يمر بوضع حرج وضعيف بشكل غير مسبوق منذ عام 1948،لأن هذه العوامل الأربعة التي حددها سيصعب إيقاف تفاعلها مع بعضها البعض بسبب صلاتها الوثيقة ومدى قدرة الكيان على التغلب على الوضع الذي ستفرزه في المستقبل القريب من نتائج سيئة عليه وبما سيرتبط بنتائج المواجهة الجارية بين واشنطن وموسكو في أوكرانيا وأوروبا، والمواجهة التي تعد لها واشنطن لتصعيد استهدافها للصين في قارة آسيا، ولا شك أن تسارع هذه الأحداث والمفاجآت التي ستحملها للكيان، لن تجعله قادراً على منع نتائجها السلبية الإستراتيجية على وضعه بموجب ما يقوله رئيس المركز نفسه.
المصدر: الوطن