النظام البحريني واللعب بالنيران
لم تعد هناك مصطلحات سياسية تناسب ممارسات النظام البحريني التي تخطت جميع النظريات ذات الصلة بالأمن القومي والسيادة، بل وحتى سياسات التكتل والتحالفات القائمة على النفعية والمصالح.
أصبحت الآن المنافسات بين بعض دول الخليج تتركز في نزع ما تبقى من قيم العروبة والدين واحترام الشعوب، وتقديم أوراق الاعتماد للعدو الصهيوني بشكل مجاني، بل وبتعريض الأمن القومي للخليج لخطر مباشر، وهو أن يصبح جبهة مباشرة لحرب كبرى.
وفي أحدث التطورات، يدور الحديث دون تأكيدات عن أن النظام البحريني الفاسد قد باع جزيرة بحرينية للعدو الصهيوني بعد عرضها بالمزاد العلني بـ8 ملايين دينار، وسط تقارير عن سعي لنقل السيادة للكيان، وهو ما يعني - لو صح - وضع موطئ قدم صهيوني بشكل رسمي في الخليج وعلى حدود إيران، وسط احتقان كبير في الصراع بين امريكا والكيان ومعسكرهم وبين ايران ومحور المقاومة، وهو ما يخلق صاعقًا للتفجير، من غير المعلوم مدى إدراك النظام البحريني ومدى استيعابه لتداعياته المباشرة عليه.
واللافت أن زيارة رئيس الأركان الصهيوني هرتسي هليفي في الحكومة الأكثر تطرفًا الى البحرين، تردد العدو في الإعلان عنها، لولا أن البحرين هي التي أعلنت عنها بوقاحة بالغة، مما دفع وسائل الإعلام الصهيونية للكشف عنها وعن بعض تفاصيلها.
وهنا يجدر ذكر ما قاله سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، حيث تناول الزيارة في مقال له على موقع المعهد متعجبا بالقول: "في حين لم تنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية خبر الرحلة في وقت سابق، سواء لأنها لم تعلم بأمرها أو لأنها تلقت أمراً بالتكتم عنها، سارعت بعد ذلك إلى الإعلان عنها وكشفت أن هليفي توجه إلى البحرين مباشرةً عبر المجالين الجويين الأردني والسعودي".
وفي إطار تفسيره، يقول هندرسون أن "التسريب كان متعمداً، ويشير ذلك إلى أن المسؤولين البحرينيين فخورون بعلاقتهم مع (إسرائيل)، وليسوا قلقين بصفة خاصة بشأن تزايد التوترات مؤخراً في الضفة الغربية. كما قد يشكل هذا التسريب طريقةً اعتمدتها المنامة لتعزيز صورة العلاقة، التي لا تبدو مهمة مقارنةً بعلاقات (إسرائيل) مع الإمارات العربية المتحدة. فعلى الرغم من توقيع "الدولتين" (البحرين والكيان) على "اتفاقيات إبراهيم" في عام 2020، شملت جهود التطبيع في الإمارات تعاوناً تجارياً وسياحياً أعمق بكثير إلى جانب العلاقات الأمنية".
هنا يبدو أن النظام البحريني قفز قفزة كبرى للحاق بالتطبيع الإماراتي الذي حمل مبالغات ومغالاة غير مفهومة، بل ويبدو أن البحرين أرادت التفوق على الإمارات ولفت النظر دوليا لها، وشراء شرعية خارجية بعد فقدانها للشرعية الداخلية بحكم قمعها الداخلي وممارساتها الإجرامية في حق الشعب البحريني، باعتبار التفريط في السيادة والركوع لأمريكا والصهاينة هو بوابة التغافل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتغنى بها القانون الدولي ومنظماته.
هذه الممالك الخليجية بعد أن فقدت القيم الأخلاقية، افتقدت أيضًا الرشد السياسي، ولم يعد مفهومًا ولا معلومًا، ما هي استراتيجية هذه الدول ولا الأسس الجيوبولتيكية التي تتبعها في رسم سياساتها؟
ربما هذه الخطوات تأتي لصالح العدو الصهيوني المأزوم، حيث يمكنه تصديرها كتوسع واختراق سياسي أو تمدد جيوستراتيجي في الخليج، لكن ماذا يمكن لهذه الممالك أن تصدر غير التفريط في السيادة؟ كما أن هذه الأنظمة فقدت سندها الشعبي وبعدها القومي وأعلنت أنها مجرد قواعد جيوستراتيجية لأمريكا وللعدو الصهيوني.
وما يجب أن تعرفه هذه الأنظمة هو أنها لن تجني أية مكاسب من هذا التفريط وهذا الارتماء في أحضان العدو، لأن العدو لا يستطيع حماية نفسه وبالكاد يوفر موارده وتكنولوجياته لحماية وجوده، وأنه يستخدم هذه الممالك كمراصد وبؤر للتجسس، وعندما يلحق بإيران أي تهديد واستهداف، فإنها سترد على مصدر الاستهداف كما فعلت في كردستان وغيرها، ولم يوفر العدو أي حماية لمن استخدمهم واستغل أرضهم في التآمر واستهداف المقاومة.
ان المقاومة تعي هذه الفخاخ والمخططات لكن يبدو أن الحماقات الخليجية وتحديدًا حماقات النظام البحريني أصبحت بلا حدود.
إيهاب شوقي