المظاهرات الداعمة لفلسطين تكشف زيف ادعاءات الغرب
اوروبا، التي كانت تتغنى بنفسها لفترة طويلة باعتبارها حصن الحرية والديمقراطية، تجد نفسها مؤخرا تتخبط في بعض الأسئلة المثيرة للجدال حول حرية التعبير. يكمن قلب النقاش الحالي في التناقض الصارخ بين معاملة الحكومات لتظاهرات أنصار فلسطين وتجمعات أنصار النظام الصهيوني في جميع أنحاء البلدان الأوروبية.
يشكك النقاد وناشطو حقوق الإنسان في الإنصاف والتوازن في حرية التعبير في هذه البلدان، حيث تواجه تظاهرات أنصار فلسطين قيودًا مختلفة؛ في حين تستمر تجمعات أنصار النظام الصهيوني دون عائق، وغالبًا ما يشارك مسؤولو الحكومة بنشاط في هذه التجمعات.
ازدواجية معايير
منذ بدء الاشتباكات بين المقاومة و الكيان الصهيوني، واجه المتظاهرون الذين أرادوا التجمع لإظهار التضامن مع فلسطين في الدول الأوروبية قيوداً وحظراً وتدخلاً من الشرطة وأوامر بالاعتقال في الدول الأوروبية التي لا تفرض أي قيود أو حظر على المظاهرات المؤيدة للكيان الصهيوني، عُقدت مظاهرات دعمًا لفلسطين في ظل المراقبة المشددة من الشرطة والتدخلات بما في ذلك استخدام الغاز المسيل للدموع والاعتقالات.
في لندن بدأت مسيرة دعم فلسطين مع تحذير الشرطة بـ “الاعتقال”!!!.ففي 14 أكتوبر/تشرين الأول، تجمّع عشرات الآلاف في لندن أمام مقر قناة بي بي سي التلفزيونية لإظهار تضامنهم مع فلسطين والاحتجاج على موقف الحكومة البريطانية تجاه حقوق الفلسطينيين في الكيان الصهيوني.حذرت شرطة انجلترا في بيان قبل التجمع بأنه لن يُسمح بالمظاهرات خارج المسار المحدد وحول سفارة الكيان الصهيوني في لندن، وقد يتم اعتقال الحاضرين، و أعلنت في بيان بعد يوم من المظاهرات أنه تم اعتقال 15 شخصًا في مسيرة التضامن مع فلسطين في المدينة.
و في فرنسا و مع الأيام الأولى للحرب بين الكيان الصهيوني و المقاومة، سُمح بمظاهرات المؤيدين للكيان الصهيوني في باريس وستراسبورغ الفرنسيتين، في حين حُظرت مظاهرات التضامن مع فلسطين مرارًا من قِبل السلطات المحلية في باريس وستراسبورغ وليون ومرسيليا بسبب “خطر الإخلال بالنظام العام”.كما اعتُقل 13 شخصًا في ستراسبورغ، و4 أشخاص في مرسيليا، وشخص واحد في ليون، حيث عُقدت مظاهرات تضامن مع فلسطين رغم الحظر.
رفضت شرطة برلين في ألمانيا منذ 11 أكتوبر/تشرين الأول السماح بمظاهرات تضامن مع الفلسطينيين. واعتقلت الشرطة العديد من الناشطين الذين أرادوا عقد المظاهرات رغم الحظر.كما رفضت السماح لنحو 1000 شخص تجمعوا مؤخرا في برلين بالتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين، و طالبتهم بمغادرة المنطقة بسبب حظر المظاهرات. كما وقعت اشتباكات متفرقة بين المتظاهرين والشرطة التي اعتقلت العديد من المحتجين.
أما في هولندا اعتُقل 3 أشخاص في مظاهرات دعم فلسطين في أمستردام عاصمة هولندا، حيث شارك حوالي 15 ألف شخص في المظاهرات التي عُقدت في ميدان دام بأمستردام، ومشوا في مسيرة إلى وستربارك غرب المدينة.
اعتُقل 3 أشخاص خلال المظاهرات، أحدهم رفع علم حماس، واثنان آخران قاوما الشرطة بتغطية وجوههما.
تأثير اللوبيات الصهيونية ومشاركة الحكومات الأوروبية
في الوقت الذي تتقيد فيه التظاهرات والتجمعات الداعمة لفلسطين، تحصل تجمعات داعمي الكيان الصهيوني على إذن بالتنظيم دون أي عوائق. وتتضح هذه اللامساواة أكثر مع مشاركة المسؤولين الحكوميين الأوروبيين بنشاط في التجمعات الداعمة للكيان الصهيوني.وقد أدى هذا التحيز الملحوظ إلى مخاوف بشأن نفوذ جماعات الضغط الداعمة للكيان الصهيوني والدوافع السياسية المحتملة وراء هذه القيود.إن المشاركة العلنية للمسؤولين الحكوميين الأوروبيين في التجمعات الداعمة للكيان الصهيوني تثير تساؤلات حول حياد المزعوم للحكومات الأوروبية والتزامها بدعم حرية التعبير للجميع.
المطالبات بنهج متوازن من أوروبا
لقد أثار الوضع الراهن نقاشًا واسعًا وجذب اهتمامًا كبيرًا؛ حيث يطالب الناشطون ومنظمات حقوق الإنسان بنهج أكثر توازنًا تجاه هذه القضية من أوروبا.ويجادلون بأن يتم إعادة تقييم القيود المفروضة على المظاهرات الداعمة لفلسطين للتأكد من الحفاظ على حرية التعبير لجميع وجهات النظر.وتشدد المناقشات الجارية على ضرورة أن تعيد الحكومات الأوروبية النظر في موقفها تجاه حرية التعبير.إنها فرصة حاسمة لإعادة التقييم والتأكد من دعم المبدأ الديمقراطي الأساسي لحرية التعبير، بغض النظر عن الآراء المعبر عنها.
من المرجح أن تستمر الجدالات الجارية حول التعامل مع المظاهرات الداعمة لفلسطين والتجمعات الداعمة للكيان الصهيوني في أوروبا في التطور. إنها في جوهرها أكثر من مجرد مظاهرات وتتعلق بطبيعة الديمقراطية وحق حرية التعبير في أوروبا.في حين تتصارع الدول الأوروبية مع هذه القضايا المعقدة، فإن إجراءاتها لن تشكل طبيعة المظاهرات في شوارعها فحسب، بل ستشكل كذلك الفهم الأوسع والتطبيق لحرية التعبير داخل حدودها.سيكون نهج عادل ومتوازن يحترم حقوق جميع المواطنين في التعبير عن آرائهم بالغ الأهمية في حماية الديمقراطية في أوروبا.
المصدر: الجزيرة