الصناعات الحربية الأميركية ودورها الوحشي خلال قرن
يثبت تاريخ الحروب الأميركية منذ الحرب العالمية الأولى حتى آخر الحروب التي تشنها الآن بأشكال متنوعة على روسيا وحلفائها وعلى الصين، أنها حروب شركات المال والصناعات العسكرية الضخمة وشركات الاستثمارات التي دأبت على التحريض عليها وانتظار نهاياتها بانتصار أميركي لكي تحقق أكبر الأرباح على حساب الضحايا.
في كتاب له عن دور هذه الشركات والبنوك في الحرب العالمية الأولى وهدفها في تحقيق أعلى المبيعات، ذكر المؤرخ الأميركي الآن بروغار أنها حققت ربحاً بقيمة عشرة آلاف دولار من كل دولار وظفته لمقتل كل فرد في الحرب العالمية الأولى، علماً أن الحرب قتلت أكثر من عشرين مليوناً من الجانبين وأصابت عشرين مليون آخرين بجراح وإعاقات، وتلتها بعد ذلك الحرب العالمية الثانية عام 1939 التي سقط فيها أكثر من خمسين مليوناً من القتلى وما يزيد على ذلك بكثير من الجرحى خلال ست سنوات، وكانت الولايات المتحدة المستفيد الأكبر منها.
في عام 1934 نشر هيلموت إينغيل بريخت كتاباً بعنوان «تجار الموت تجار الحرب» كشف فيه بالوثائق والسجلات الرسمية كل ما تقوم به هذه الشركات والصناعات الحربية والبنوك من نشاط عند أصحاب القرار لاتخاذ قرارات الحرب أو المشاركة في الحروب وما تقدمه من رشوات لأعضاء في الكونغرس ولمسؤولين أميركيين لاستخراج قرار الحرب.
وفي العام ذاته نشر الجنرال الأميركي سميدلي باتلر الحائز ميدالية الشرف مرتين كتاباً بعنوان «الحرب ومضرب الحرب» كشف فيه عن هذا الدور ووصف نفسه في الكتاب بـ«اللاعب الذي أمسك بمضرب الحرب وبالمجرم الذي عمل لمصلحة الرأسمالية»، وتشكلت لجنة قضائية أميركية للبحث بكل هذه المعلومات وأثبتت صحتها والدور الخطير لأصحاب الصناعات الحربية والبنوك والاستثمارات الأميركية، وثار الجمهور الأميركي لفترة ضد هذه السياسة وطالب بتخفيض حاد لشراء السلاح وبمنع شن الحروب الإمبريالية، ولكن الولايات المتحدة عادت وانضمت إلى الحرب العالمية الثانية عام 1941 لكي تحصد الأرباح من القتل والدمار وإعادة الإعمار بعد انتصار الحلفاء عام 1945 في تلك الحرب.
ومنذ تلك الحرب بدأت الولايات المتحدة تشكل أكبر دولة وما يشبه أكبر شركة عالمية لتصدير وبيع الأسلحة لدول كثيرة عن طريق تحريض الدول على خوض النزاعات المسلحة لكي تستهلك أسلحتها، فتعيد هي تصدير هذه الأسلحة، ولم تكن شركات صناعة السلاح الأميركية تتعرض طوال سنوات وجودها لأي خسارة بل كانت تجارة الموت هذه هي أكثر أنواع التجارة ربحاً بجميع الأشكال بالنسبة لأصحابها.
وهذا ما تثبته الحرب التي تقودها الآن واشنطن باسم حلف الأطلسي من الأراضي الأوكرانية ضد روسيا، والحرب التي تحرض عليها تايوان الصينية ضد الصين، فهي لا ترسل السلاح مجاناً لا لتايوان ولا لأوكرانيا، بل كل شيء بحسابه ودون اهتمام بموازين القوى بين تايوان والصين ولا بين روسيا وأوكرانيا، فقد حصدت الصناعات الأميركية للسلاح أكبر الأرباح من دافع الضرائب الأميركي ومن دافع الضرائب الأوروبي نتيجة إرسال الدول الأوروبية للسلاح إلى أوكرانيا ثم القيام بشراء الدول الأوروبية للسلاح من الولايات المتحدة، ولذلك يعتقد الخبراء الأميركيون بالسياسة الأميركية أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدين جعلت السوق الأوروبية لشراء السلاح الأميركي من أهم الأسواق التاريخية في بيع الأسلحة بعد أن حرضت حكومات دول أوروبا على إرسال جزء مهم من أسلحتها إلى أوكرانيا، وهو ما يثير نقمة الشعوب الأوروبية التي بدأت الأزمات الاقتصادية تتفاقم فيها نتيجة العقوبات المتبادلة بينها وبين روسيا وبعد اضطرارها إلى زيادة ميزانيات الأمن وشراء السلاح، وكان «معهد استوكهولم لأبحاث السلام الدولي» قد نشر في 13 آذار الماضي تقريراً أشار فيه إلى أن نسبة شراء الدول الأوروبية للسلاح الأميركي ازدادت في السنوات الماضية وبلغت مبيعات هذا السلاح للدول الأوروبية 47 بالمئة من مبيعات السلاح في العالم، على حين انخفضت نسبة شراء الدول الإفريقية ودول الشرق الأوسط للأسلحة الأميركية بشكل حاد وتدنت إلى 8 بالمئة، ولا شك أن توقف الحرب الأميركية ضد روسيا عن طريق أوكرانيا سيؤدي إلى انخفاض حاد في شراء أوروبا للأسلحة الأميركية وهذا ما يفرض خسارة كبيرة على الشركات الأميركية التي تصنع الأسلحة، ولهذه الأسباب تصر الإدارة الأميركية على استمرار الحرب الأوكرانية على الرغم من الهزائم التي مني بها الجيش الأوكراني الذي يقاتل بأسلحة أكثر من ثلاثين دولة ودون أي جدوى.
المصدر: الوطن