الخلاف بين السعودية والإمارات؛ قديم ويطفو مع كل ملف جديد.. جذور ومحطات
هناك خلافات غير علنية بين السعودية والإمارات، وغالباً ما تحل بسرية تامة، لكن اللافت أن هذه الخلافات تكشفها التسريبات بشكل مستمر. خلافات يمكن تحديدها باليمن والنفط، واستقطاب الشركات الأجنبية وغيرها، ولكن هذه الخلافات تتوسع يوماً بعد يوم، حيث تحاول الرياض باستمرار إضعاف نفوذ أبو ظبي أو تحجيمها إلى أبعد حد.
ومن هذه التسريبات ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، حيث تقول إن كبار قادة البلدين ابتعدا عن المشاركة في الأحداث التي استضافاها مؤخرا بشكل مقصود، مستشهدة بما شهدته قمة لقادة الشرق الأوسط عقدت بأبوظبي في يناير الماضي، وغاب عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رغم حضور حكام الأردن ومصر وقطر وعمان وغيرهم فيها. وقبل ذلك بنحو شهر، لم يحضر كبار قادة الإمارات قمة صينية عربية رفيعة المستوى، عقدت في الرياض.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا التجاهل المتبادل، كشف عن تصاعد حدة الخلافات بين البلدين الجارين، واللذان سارا على مدى سنوات بخطى متقاربة بشأن السياسة الخارجية للشرق الأوسط. (1)
جذور الخلاف بين السعودية والإمارات تعود إلى قضية الحدود، عندما بدأ مؤسس السعودية وضع الحدود، وتوجه نحو أراضي الامارات وقطر وسلطنة عُمان، والذي انتهى بتقاسم الأطراف المتنازعة منطقة "البريمي"، فأخذت الإمارات 6 قرى، وسلطنة عُمان 3.
ثم فرضت السعودية، على الإمارات اتفاقية اتفاقية "جدة" الحدودية عام 1974، واعترفت السعودية بالإمارات كدولة، وحصلت مقابل ذلك على مكافأة تمثلت بمساحة من الأراضي الغنية بالنفط في المنطقة الحدودية بين البلدين.
لاحقاً منعت السعودية الإماراتيين دخول أراضيها عام 2009، باستخدام بطاقات الهوية الخاصة بهم، تحت ذريعة أن البطاقة تحتوي خريطة تظهر أراضي سعودية على أنها جزء من الإمارات.
وبعد استلام الملك سلمان بن عبد العزيز، وتنصيب نجله محمد منصب وليا للعهد، انخرطت الإمارات في تحالف العدوان السعودي على اليمن، كما كانت رأس حربة في تحريض السعودية على حصار قطر ومقاطعتها.(2)
تكبدت السعودية خسائر عسكرية واقتصادية كبيرة جراء حرب اليمن، فأدركت الإمارات أن السعودية غرقت في المستنقع اليمني، وأعلنت رسمياً في يوليو عام 2019 انسحابها، بعد أن سيطرت على مناطق حيوية في جنوب اليمن وجزيرة سقطرى ومحافظة المهرة، والمطارات والموانئ اليمنية الاستراتيجية المطلة على بحر العرب وخليج عدن، و حقول غاز ونفط في المحافظات الشرقية، الأمر الذي لم يناسب السعودية.
وبعد اندلاع الخلاف بين قطر ودول الخليج الفارسي، بدا جلياً الدور الإماراتي الداعم لحصار قطر والتحريض عليها، حتى إنَ وسائل الإعلام القطرية كانت تركز هجومها على الإمارات، باعتبارها المحرض على الدوحة. ولكن عقب إعادة تطبيع العلاقات بين السعودية وحلفائها من جهة، وقطر من جهة أخرى، بدا أن العلاقات مع الإمارات لا زالت تتسم بالبرود، ولم تعد إلى طبيعتها. (3)
كما كان من مظاهر الخلاف، إعلان السعودية تعليق الرحلات الجوية إلى 3 دول، من بينها الإمارات، "للوقاية من السلالة الجديدة لكورونا"، بحسب وزارة الداخلية السعودية.
هذا الإجراء قابلته الإمارات بالمثل، إذ علقت شركة "طيران الإمارات" جميع رحلات الركاب من وإلى المملكة حتى إشعار آخر". إجراء رأه محللون بعيداً عن السياق المتعلق بمكافحة انتشار كورونا، وربطوه بالخلاف المتصاعد بين البلدين.
كما ينظر إلى تهديد السعودية، بوقف إبرام العقود الحكومية مع الشركات متعددة الجنسيات التي لم تنقل مقرها الرئيسي في المنطقة إلى السعودية، على أنه هجوم ضمي على دبي التي تتمركز فيها غالبية مقرات تلك الشركات.(4)
و بهدف تخفيف التوترات بين الدولتين، زار مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، الرياض، من أجل لقاء ولي العهد، محمد بن سلمان، لكنّه "فشل" في ذلك، بحسب "وول ستريت جورنال"، التي أشارت إلى أن طحنون لم يتمكن، في مناسبة واحدة على الأقل، بعد قمة كانون الثاني/يناير في أبو ظبي، من لقاء ولي العهد السعودي.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك خلافات أيضاً بين الإمارات وأعضاء التحالف، وعلى رأسهم السعودية، بشأن ضخ مزيد من النفط الخام في الأسواق لزيادة عائداتها النفطية، وهو أمر غير مسموح به حالياً في ظل اتفاق "أوبك بلس". لذلك، حدثت خلافات بين الإمارات والسعودية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عندما قررت "أوبك بلس" خفض إنتاج النفط للمحافظة على توازن الأسواق.
ونقلت "وول ستريت جورنال"، عن مسؤولين إماراتيين، قولهم إنّ "أبو ظبي تُجري مناقشة داخلية بشأن مغادرة منظمة أوبك، وهو قرار من شأنه أن يهز التحالف، ويؤثّر سلباً في أسواق النفط العالمية".
وأضافت الصحيفة أن الإمارات تؤيد خفض الإنتاج علناً، أمّا سراً، فإنها تخبر المسؤولين الأميركيين بأنها ترغب في ضخ كميات نفط إضافية في الأسواق، تلبيةً لرغبة واشنطن، لكنّ هذه الرغبة تصطدم برفض سعودي.(5)
من المثير للانتباه أن دول الخليج الفارسي التي يحاول قادتها دائماً اظهار وحدة الموقف، هي في الواقع عكس ذلك، وتتخللها الكثير من الأزمات التي يتعذر تسويتها، في ظل حكم الأبناء الذين يختلفون كلياً عن تفكير الآباء.
كما أنه لا توجد في الوقت الراهن وساطات عقب رحيل أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، الذي بذل جهوداً حثيثة لتسوية الخلاف بين السعودية وقطر. والآن على ما يبدو لا يوجد في الساحة الخليجية من يستطيع القيام بدور الوساطة بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي محمد بن زايد.
ختاماً يمكن القول أن الخلافات بين الجانبين لم تظهر بعد على المستوى الرسمي رغم اتساع نطاقها، الأمر الذي يستبعد احتمال حدوث مصالحة قريبة خاصة عندما يُعرف أن الهدف من هذه الصدامات هو الإقصاء كلياً، فالمواجهة بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان مستمرة نظراً لصعوبة تحقيق الأهداف غير الواقعية التي يرسماها.
مجد عيسى
المصادر:
1- https://cutt.us/xJQWS
2-https://cutt.us/Y7aS4
3- https://cutt.us/tcuD9
4- https://cutt.us/ytRc1
5-https://cutt.us/9EEhU