الانتخابات البرلمانية الصربية وتوطيد الدولة الحاكمة

توجه شعب صربيا إلى صناديق الإقتراع مرة أخرى في تاريخ 17 ديسمبر، حيث لم يمر بعد أكثر من 18 شهراً على الانتخابات البرلمانية السابقة، وسجلت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات بأكثر من 55%، وهي نسبة قريبة من النسبة السابقة في الإنتخابات الماضية.

ديسامبر 23, 2023 - 11:24
الانتخابات البرلمانية الصربية وتوطيد الدولة الحاكمة
الانتخابات البرلمانية الصربية وتوطيد الدولة الحاكمة

توجه شعب صربيا إلى صناديق الإقتراع مرة أخرى في تاريخ 17 ديسمبر، حيث لم يمر بعد أكثر من 18 شهراً على الانتخابات البرلمانية السابقة، وسجلت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات بأكثر من 55%، وهي نسبة قريبة من النسبة السابقة في الإنتخابات الماضية[1].

وجرت هذه الانتخابات في ظل ضغوط كبيرة وارتفاع في مستوى التضخم وانعدام الأمن الذي انتشر في البلاد، وكانت أحزاب المعارضة في الحكومة تأمل بشدة في أن تتمكن من استغلال هذه الفرصة وتفوز في الإنتخابات. كان المنافس الأكثر أهمية للسيد فوتشيتش هو "الحزب الصربي ضد العنف"، الذي فشل في الفوز بأكثر من 23% من الأصوات الشعبية. وأظهرت نتائج الانتخابات أن الحزب التقدمي الصربي بزعامة السيد فوتشيتش فوزه بالأغلبية في انتخابات هذا البلد للمرة الثالثة على التوالي بحصوله على 47% من الأصوات وما يقرب من 130 مقعداً من أصل 250 مقعدا في البرلمان[2].

مشكلة بلغراد

إلى جانب الانتخابات البرلمانية، أجريت أيضا انتخابات المجالس المحلية، وأهمها انتخابات بلغراد. وحاول معارضو الحكومة الحصول على أغلبية الأصوات وإدارة العاصمة للضغط على الحكومة والإضرار بمصداقيتها. في هذه الأثناء، تتحدث المعارضة عن انتهاكات وتزوير واسعة النطاق، والحكومة تتحدث عن الفوز في انتخابات هذه المدينة. ويبدو أن المعارضة تحاول استخدام كافة الوسائل الديمقراطية لإلغاء الانتخابات في بلغراد. [3]وإذا لم يتم حل هذه القضية من خلال الحوار واللجان ذات الصلة، فإنها يمكن أن تصبح تحديًا كبيرًا للحكومة الصربية. خاصة وأن هناك بالفعل أسبابًا للاحتجاجات ضد الحكومة ويمكن أن تصبح هذه القضية مرة أخرى مشكلة لهذا البلد. ومع ذلك، وفقا للمراقبين في بلغراد، كان الحزب التقدمي الصربي يتقدم في الانتخابات بفارق ضئيل. ولكن ينبغي أن نرى إلى أين ستصل نتيجة هذا الخلاف والتحدي.

نتائج متوقعة

في الفترات السابقة التي حاولت المعارضة فيها تبديل هذه الانتخابات باستفتاء شعبي لقبول السيد فوتشيتش أو لا، تمكنت الحكومة من استعادة شعبيتها باستخدام الأدوات المختلفة المتاحة لها. وعلى الرغم من أن البعض اتهموا الحكومة باستخدام موارد الدولة لأغراضهم الخاصة، إلا أن أداء الحكومة الصربية كان جيدًا في السنوات الأخيرة على الرغم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

وتحدث العديد من الخبراء عن فوز حزب صربيا التقدمية في الانتخابات، لكن ربما ليس بهذا الفارق الكبير، والذي يعود إلى أداء الحكومة في الأيام التي سبقت الانتخابات. [4]وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي القول إن السيد فوتشيتش تمكن من هزيمة أحزاب اليمين المتطرف، وهو ما يعتبر إنجازاً كبيراً له ولأوروبا. وفي الواقع فإن سياسات حكومة صربيا، التي تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 2014، تمكنت من إقناع شعب هذا البلد بأن حكومتهُ لديها الإمكانيات اللازمة والقدرة على مواصلة تحديد وادارة السياسة الخارجية في البلد.

التحديات التي تواجه الحكومة

الآن بعد أن حصل حزب صربيا التقدمية مرة أخرى على الأغلبية في البرلمان، أصبح باستطاعته توسيع الحكومة والتركيز على الخطط والقضايا المستقبلية التي تتجاوز الشؤون الداخلية. وتواجه هذه الدولة بعض التحديات الخطيرة، ولعل أهمها عضوية الاتحاد الأوروبي. ويتهم الاتحاد الأوروبي صربيا بتقييد الحريات الاجتماعية وقمع وسائل الإعلام المستقلة، وهو ما تنفيه حكومة البلاد.

كما أنه إذا انضمت صربيا إلى الاتحاد الأوروبي، فيجب عليها مواجهة روسيا واتباع العقوبات الأوروبية. ولعل أحد أسباب سعادة روسيا بانتصار فوتشيتش هو أنه لا يريد تعريض العلاقات الجيدة مع روسيا للخطر وحرمان نفسه من فوائد التعاون مع روسيا.

ومن ناحية أخرى، فإن جزءا من الشعب الصربي على استعداد تام للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والاستفادة من ميزاته. وسيكون هذا تحديًا مهمًا جدًا لصربيا والسيد فوتشيتش، بكيفية إدارة الأمور دون تشكيل قطبية ثنائية وتيارات متعارضة. كما أن موقفه تجاه كوسوفو وحل التحدي مع هذه المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي هو قضية مهمة أخرى للحكومة الصربية. وقد واجه أداء الحكومة في هذا المجال الكثير من الانتقادات الداخلية. وينبغي أن نرى ما هي استراتيجية الحكومة الصربية تجاه كوسوفو في المستقبل. وسوف يكون لهذه القضية تأثير مباشر على علاقات صربيا مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، بل وحتى روسيا. وربما يستخدم السيد فوتشيتش هذه القضية كوسيلة ضغط للتفاعل وتسجيل النقاط من الجانب الغربي حتى يتمكن من التغلب على بعض مشاكله من خلال الحصول على بعض التنازلات وزيادة سرعة تقدم صربيا وتطورها.

ولذلك فإن هذه الانتخابات سوف تلعب دوراً مهماً في تشكيل مستقبل الجغرافية السياسية في البلقان، وربما نأمل أن يتم حل قضايا البلقان قريباً بالتعاون والواقعية من جانب الجهات الفاعلة النشطة في هذه المنطقة.

امین مهدوی

 

[1] euronews.com

[2] balkaninsight.com

[3] aljazeera.com

[4] theguardian.com