الأزمة الأوكرانية ترسم حدود نفوذ واشنطن في الهند وجنوب افريقيا

مارس 14, 2023 - 11:44
الأزمة الأوكرانية ترسم حدود نفوذ واشنطن في الهند وجنوب افريقيا

 في أعقاب اندلاع المواجهة الروسية ــ الأطلسية في أوكرانيا، احتشد تحالف غربي نشط ضد موسكو، وتم تشكيل ما وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن آنذاك، بأنه "تحالف عالمي". ومع ذلك، فإن هذا الصراع كشف عن انقسام عالمي عميق، وعن حدود نفوذ الولايات المتحدة على نظام عالمي سريع التغير. فضلًا عن ذلك، هناك الكثير من الأدلة التي تؤكد فشل جهود العالم الأطلسي لعزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ما هي الأدلة على فشل جهود الغرب الأطلسي لعزل روسيا؟

منتصف شباط/ فبراير الفائت، أعلنت الهند أن تجارتها مع روسيا نمت بنسبة 400 في المائة منذ بداية الأزمة الأوكرانية. وخلال الشهرين الماضيين، تم الترحيب بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تسع دول في إفريقيا والشرق الأوسط، بما في ذلك جنوب إفريقيا، التي أشاد وزير خارجيتها ناليدي باندور باجتماعهما ووصفه بأنه "رائع" ووصف جنوب إفريقيا وروسيا بأنهم" أصدقاء".

أكثر من ذلك، شاركت بحرية جنوب افريقيا بمناورات عسكرية بحرية مع كل من الصين وروسيا قبالة الساحل الشرقي لجنوب أفريقيا (في الفترة الممتدة من 17 شباط/ فبراير حتى نهايته) في إشارة تضامن قوية مع موسكو، في لحظة كانت الولايات المتحدة تأمل أن يكون هناك اجماع دولي لتنشيط الادانات لروسيا في جميع أنحاء العالم.
 
وليس بعيدًا عن ذلك، أشار مسؤولون أميركيون إلى أن 141 دولة من أصل 193 صوتت في الأمم المتحدة لإدانة روسيا بعد "الحرب"، حيث وافق نفس العدد على قرار مماثل تقريبًا عشية الذكرى السنوية الأولى للأزمة الأوكرانية، لكن هناك 33 دولة فقط فرضت عقوبات على روسيا.
 
الجدير بالذكر، انه مع تراجع النفوذ الغربي في بعض مناطق افريقيا والشرق الاوسط، استغلت كل من روسيا والصين هذا التراجع لسدّ الفراغ ومغازلة الدول النامية بقوة، والاستفادة من خيبة الأمل تجاه الولايات المتحدة وأوروبا من خلال تقديم بديل للهيمنة الغربية المتصورة. ولهذا أصبح الشرق الأوسط وأفريقيا، يعتبران ساحتي معركة رئيسية في هذا الصراع من أجل كسب القلوب والعقول، وكذلك آسيا، وبدرجة أقل، أمريكا اللاتينية، التي ترتبط ثرواتها ارتباطًا وثيقًا بالجغرافيا بالولايات المتحدة.

ما موقف الرأي العام في الهند وافريقيا والشرق الأوسط من الصراع القائم في أوكرانيا بعد عام على النشوبه؟

تشير بعض الآراء في جنوب إفريقيا وكينيا والهند إلى وجهات نظر متناقضة للغاية حول هذا النزاع، وهي لا تعتمد على مسألة ما إذا كانت روسيا مخطئة، بقدر ما تستدل بالمظالم الحالية والتاريخية ضد الغرب، بشأن الاستعمار والغطرسة، وفشل الغرب في تكريس العديد من الموارد لحل النزاعات، وانتهاكاته لحقوق الإنسان في أجزاء أخرى من العالم مثل الأراضي الفلسطينية واليمن وسوريا وليبيا وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وتعقيبًا على ذلك، رفض وزير الخارجية الهندي السابق كانوال سيبال خلال حديث صحافي، القاء شماعة التضخم الذي يضرب العالم على موسكو، على الرغم من الجهود الغربية لتحميل الكرملين المسؤولية عن هذه الأزمة، ومعها أزمة الغذاء، مؤكدًا أن معظم الدول حول العالم تلوم الغرب على فرض العقوبات، وقال "هذه ليست حجة يعتمدها الجادون"، مستشهدًا بقصف الناتو لصربيا، ودعم الولايات المتحدة للديكتاتوريات خلال الحرب الباردة، وحرب العراق كأمثلة على انتهاك واشنطن نفس المبادئ. فبقية العالم برأيه ترى بصدق هذا النزاع على أنه حرب أوروبية، ولا يرونه صراعا عالميًا أو بالطريقة التي يقدمها الغرب.

وفيما أشار شيبال الى أن بلاده برفضها المخاطرة بعلاقتها مع روسيا تتبنى وجهة نظر تراعي مصالحها، أوضح أن هناك عشرات الآلاف من القوات الصينية محتشدة على حدود الهند مع الصين، منافستها الجيوسياسية، ولا يمكن لنيودلهي تحمّل تنفير روسيا، أو المخاطرة بأي انقطاع لإمداداتها من الأسلحة.

كيف تتعامل واشنطن مع كل من الهند وجنوب افريقيا؟

في الحقيقة تدرك الهند حاجة الولايات المتحدة اليها لموازنة الصين. فبعد المحاولات الأمريكية الأولية للضغط على نيودلهي لتتوافق مع سياساتها للانخراط في العقوبات ضد روسيا، يبدو الآن أنها رضخت للأمر الواقع وقبلت موقف الهند. وبالتالي، قررت الادارة الأمريكية عدم فرض عقوبات على نيودلهي بسبب صفقة الصواريخ التي أبرمتها مع روسيا العام الماضي، وبدلًا من ذلك سعت إلى توسيع العلاقات، بما في ذلك الصفقات الدفاعية الخاصة بها.
 
بالمقابل، قوبل قرار جنوب إفريقيا بالانضمام إلى التدريبات العسكرية مع روسيا والصين، "بتفهم" أقل، إذ أعرب دبلوماسيون أمريكيون وغربيون عن "قلقهم" بشأن توقيت وطبيعة التدريبات، زاعمين أن جنوب إفريقيا تنحرف عن حيادها المعلن، نحو الانحياز إلى روسيا.

وبناء على ذلك، لجأت واشنطن الى استخدام عصا الاقتصاد لمواجهة النفوذ الروسي (وحتى الصيني) في جنوب افريقيا، حيث حذر مسؤولون في جنوب افريقيا من أن الولايات المتحدة استثمرت بكثافة في تلك المنطقة ما بعد الفصل العنصري، وهي أكبر مستثمر أجنبي فيها وأكبر سوق للتصدير، وليس من المنطقي أن تعرض علاقتها بواشنطن للخطر.
 
في الختام، إذا كانت الهند تتمسك بعلاقاتها مع موسكو انطلاقًا من مصالحها الاقتصادية والعسكرية البحتة، فإنه لا يمكن لجنوب افريقيا القفز فوق التاريخ وتجاهل وقفة روسيا مع هذا البلد. فحزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم حاليًا، كان مدعومًا من الاتحاد السوفيتي طوال العقود التي قضاها في المنفى خلال حقبة الفصل العنصري، وتلقى العديد من كبار شخصياته، تدريبات في الاتحاد السوفياتي السابق، بما في ذلك وزير الدفاع القوي ثاندي موديسي. لذلك من الطبيعي أن لا تدير جنوب افريقيا ظهرها للكرملين الذي يحظى بشعبية وتأييد كبير هناك، خصوصًا وأن روسيا بنظرهم لم تشارك قط في أي استعمار لافريقيا كما فعل الغرب.

د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي