أوروبا ومطرقة الضغط الأميركي
المشهد الأميركي الأوروبي على جانبي الأطلسي يُظهر أن أوروبا ضحية المواجهة الاقتصادية والحرب التجارية بين أميركا والصين، والخطر المُحدق الذي يمثله قانون مكافحة التضخم الأميركي على أوروبا، إضافة إلى الحرب الأوكرانية التي ألحقت بالاقتصاد الأوروبي ضرراً كبيراً، فهل يستطيع الاقتصاد الأوروبي الاستمرار في المنافسة عالمياً، في ظل التحديات المتعددة التي يواجهها بما فيها مواجهة الولايات المتحدة الأميركية؟ سؤال يحظى بنقاشات حادة في أرجاء الاتحاد الأوروبي، مع استمرار الحرب الأوكرانية واستمرار ارتفاع أسعار الطاقة وازدياد التضخم، والتحديات التي تواجه قطاع الصناعة الأوروبي كبيرة.
اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الرئيس الأميركي جو بايدن باتباع سياسات صناعية شديدة العدوانية تتمثل بقانون خفض التضخم، وهي مبادرة قام بها بايدن لإزالة الكربون من الاقتصاد الأميركي، من خلال دعم الاستثمار المحلي في السيارات الكهربائية، والبطاريات، وغيرها من التقنيات المتجددة، الأمر الذي يثير غضب القادة الأوروبيين الذين يرون أن هذا القانون عدائي ويقوض الصناعة الأوروبية.
وقال ماكرون مخاطباً بايدن: بصراحة إن ما سينتج عن قانون خفض التضخم هو أنك ربما ستصلح مشكلتك، لكنك ستفاقم مشكلتي، هذا القانون يحفز إعادة تموضع الصناعة في الولايات المتحدة، ويضع قاعدة الاتحاد الأوروبي الصناعية الخاصة بالتكنولوجيات النظيفة في وضع غير مؤات.
يطالب بعض الأوروبيين بالرد من خلال قانون خاص بأوروبا لخفض التضخم كمعاملة بالمثل، ويشعر الأوروبيون بالقلق إزاء الجوانب التمييزية لهذا القانون، في حين تتجاهل الولايات المتحدة المخاوف الأوروبية.
القانون المذكور وضُعت له خطة مدتها عشرة أعوام، تدعي فيها واشنطن شعار محاربة أزمة المناخ، في حين هي في الواقع محاربة النفوذ الصيني ومنعه من الازدهار التكنولوجي، كما نص القانون على تخصيص 430 مليار دولار كإعانات للصناعات الخضراء، هذا التخصيص يضع أوروبا وكوريا الجنوبية ضمن الحزمة المستهدفة جنباً إلى جنب مع الصين، والولايات المتحدة بكل هذا تسعى إلى مصلحتها أولاً وقبل كل شيء.
يرى المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي، أن الخطة معادية لأوروبا أكثر مما هي معادية للصين، واستنفرت أوروبا دبلوماسيتها لإيجاد حل من خلال زيارة وزيري الاقتصاد الفرنسي والألماني لواشنطن.
أوروبا تواجه أزمة مع الولايات المتحدة وهذه الأخيرة تعمل من دون تنسيق مع الجانب الأوروبي، فالمكونات الصينية تدخل في صلب عملية تصنيع السيارات الكهربائية في أوروبا، كما أن سلاسل إمداد الطاقة النظيفة في أوروبا تعتمد بشكل قوي على الصين، وقانون مكافحة التضخم الأميركي الذي يستهدف الصناعة الصينية، يتضمن استهدافاً للصناعة الأوروبية، وبالتالي فإن الجهود الأوروبية لتحقيق إصلاح في الهيكل الصناعي ستكون في مهب الريح، والخطة الأميركية التي تتضمن امتيازات تنافسية، ستشكل خطراً على الصناعة في الاتحاد الأوروبي.
وضعت المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، أوروبا في مرمى النيران، فيما تهدّد خطة «قانون خفض التضخم» الأميركية بحرب اقتصادية مع أوروبا، وكشفت آخر زيارة للرئيس الأميركي بايدن إلى أوروبا، محاولاته لتوحيد أوروبا استعداداً للحرب الباردة الجديدة ضد روسيا والصين، لكن واشنطن ستواجه تحديات لأن بعض الأوروبيين يرون أن مبدأ الاستقلال الإستراتيجي الأوروبي ربما يكون الأفضل لتفادي حرب أكثر اتساعاً في أوروبا.
بالمقابل الحرب الأوكرانية تركت تداعيات سلبية في أوروبا، فقد أصبح الغاز الطبيعي أعلى بمقدار سبع مرات ونصف، وارتفعت تكلفة الفحم والنفط الخام إضافة إلى التضخم، والأسر الأوروبية الأضعف تجد نفسها في هذا الشتاء أمام اختيار، إما التدفئة وإما الطعام، والمبالغ الضخمة التي تدفعها دول أوروبا لدعم الحرب الأوكرانية، بمطرقة الضغط الأميركي، تُرهق موازنات الدول الأوروبية وتثير غضب دافعي الضرائب والرأي العام الأوروبي وخاصة الألماني الذي يرى أن الصناعة العسكرية الأميركية استفادت من الحرب الأوكرانية ووضعت أوروبا على طريق التدهور الاقتصادي الحاد.
رئيس الحزب اليساري الألماني السابق أوسكار لافونتين، في كتابه «آمي، حان وقت الرحيل»، ينتقد بشدة الوجود العسكري الأميركي في ألمانيا وسياسات الناتو، يقول الناتو ليس منظمة دفاعية بل أداة للمصالح الجيوسياسية الأميركية، ويضيف إن المساعدات العسكرية الألمانية لأوكرانيا تُظهر كيف أن ألمانيا ليست دولة مستقلة وتابعة للولايات المتحدة.
وعلى أوروبا وضع حد لخضوعها للمصالح الأميركية والبدء في شق طريقها الخاص، ختاماً أوروبا العجوز ممثلة بالاتحاد الأوروبي، كانت دائماً على أعتاب الانهيار: أزمة ديون، وأزمة لاجئين، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود اليمين المتطرف، وليس آخراً، الوباء، والحرب الأوكرانية وفي كل مرة تنطلق صرخات مستمرة حول النهاية المقبلة للاتحاد، لكنها، وعلى الرغم من كل شيء، فإنها تستمر ضعيفة في مرمى نيران وتحت مطرقة الضغط الأميركي.
المصدر: الوطن