هل سيسمح العالم بإخضاع دوله لواشنطن؟
حين تقوم الإدارات الأميركية بفرض عقوبات اقتصادية على دول، تلفق الاتهامات لها أو لا توافق على مطالبها في مواضيع شتى، ثم تضيف إلى هذا الإجراء الأميركي ملحقاً آخر هو التهديد بفرض عقوبات على كل دولة أو طرف لا يلتزم بفرض العقوبات على هذه الدولة المستهدفة.
هكذا تصبح كل إدارة أميركية أقوى من الأمم المتحدة بل بديلاً منها، لأن الأمم المتحدة ترفض عرض أي اقتراح بفرض عقوبات على مؤسساتها ومناقشته والتصويت عليه، وعادة لا يكون ملزماً للجميع حين لا يفوز بأغلبية أو حين تستخدم أي دولة كبرى حق النقض الفيتو ضد تنفيذه في مجلس الأمن الدولي، وعادة ما يصطدم كل اقتراح أميركي من هذا الشأن باعتراض من روسيا والصين أو من أحدهما، وفي النهاية يصبح كل قرار أميركي أحادي بمعاقبة دولة ما وكأنه يسري على كل الدول بحسب رغبة واشنطن في معاقبة أو عدم معاقبة الدولة التي لا تلتزم به، وهذا بالضرورة ما سوف يدفع العالم إلى الانقسام إلى كتلتين أو أكثر حين نجد دولاً ترفض الالتزام بما تريده واشنطن ودولاً تلتزم مثل الدول الأوروبية وغيرها من الدول المتحالفة مع واشنطن، في حين تطلب دول أخرى من واشنطن السماح لها بتخفيض درجة الالتزام بهذا الإجراء للمحافظة على بعض مصالحها، بل إن القرارات التي تتخذها الأمم المتحدة أحياناً لا تسلم من سيطرة واشنطن على طبيعتها، وهذه القواعد والإجراءات الأميركية تفرضها واشنطن في النظام العالمي الأحادي وتتمسك به للمحافظة على مصالحها الإمبريالية ومصالح كيانها الإسرائيلي في منطقتنا وفي العالم.
لا أحد بات يشك بأن الحرب التي تشنها واشنطن وتعمل على تجنيد ما تستطيع حشده من دول العالم فيها ضد روسيا والصين هي حرب بين نظامين عالميين، أحدهما أميركي يستميت من أجل استمرار استعباد وهيمنة واشنطن والغرب على شعوب العالم، والآخر هو روسي صيني يسعى إلى إعادة رسم نظام عالمي جديد متوازن ينهي كل أشكال بقايا الاستعمار الغربي التي دامت قرناً بقيادة الهيمنة الأميركية وما نتج عنها من إجراءات أحادية ضد مصالح معظم شعوب العالم.
يلاحظ الكثيرون أن هذه العقوبات لا تقتصر على حظر العلاقات الاقتصادية وتبادل التجارة مع الدولة التي تستهدفها واشنطن بل تسعى إلى تدمير ثقافتها ومنع التداول بمعاييرها الوطنية وميراثها التربوي بحجة معاداة السامية، وهذه هي كرة الثلج التي تكبر بأشكال ومزاعم الاتهام يوماً تلو آخر أينما يجري توجيهها لدولة تلو أخرى بهدف محو تاريخ هذه الأمة وحقوقها فوق أوطانها وأراضيها ورسالتها الإنسانية والأخلاقية واستبدالها بمزاعم صهيونية عنصرية.
في هذا الاتجاه تراكمت في قوانين البرلمان «الكنيست» الإسرائيلي عشرات إن لم يكن مئات القوانين المعدة لهذا الغرض والتي تتبناها واشنطن وتحدد لها مبعوثين رفيعي المستوى لمراقبة أي دولة أو هيئة مدنية غير حكومية تتعارض في خطابها ودعواها مع أهداف إسرائيل، وبالمقابل أعدت تل أبيب أيضاً هيئات ولجاناً في مختلف دول أوروبا والعالم لمراقبة أي نشاط يبرر للسياسة الإسرائيلية اتهام أي كان بمعاداة السامية، وفي الولايات المتحدة قرر الرئيس جو بايدين سحب قرار اختياره لجيمس كافالارو أستاذ القانون لعضوية «لجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان» بعد أن طلب رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منه ذلك بحجة أنه أطلق تصريحات مناهضة لإسرائيل والسامية، وقد تفرض واشنطن على كل من يوظف كافالارو عقوبات بعد أن عاقبته إسرائيل.
في ألمانيا انصاعت سلطات مدينة فرانكفورت لإسرائيل وأدانت المغني التقدمي البريطاني الناشط في حقوق الإنسان روجر ووترز وهو في سن الثمانين عاماً بتهمة معاداة السامية، ومنعت إقامة مهرجان شعبي لأغانيه في ساحة المدينة والمقرر في أيار المقبل، بل نددت به بلدية فرانكفورت لأنه ذكر أن إسرائيل تفرض الاحتلال والعنصرية على الفلسطينيين ولأنه أعلن دعمه لمنظمة «بي دي اس» الأوروبية غير الحكومية التي تدعو لمقاطعة إسرائيل بسبب احتلالها وعنصريتها، وطبقت دول أوروبية عديدة وكذلك الولايات المتحدة قانون عقوبات على هذه المنظمة التي يديرها أوروبيون وفلسطينيون، وهذا يعني أن كل من يستقبلها ويتعاون معها أو يؤيدها سيخضع لمعاقبته بتهمة الإرهاب إذا أراد أي طرف التعرض له، فإسرائيل تصيغ كل هذه التهم ومزاعمها، وتقوم واشنطن بتبنيها وبتعميمها وإنشاء لجان ومبعوثين أميركيين للإشراف على فرضها على العالم بهدف منع الاعتراض على الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته ومنع التشهير بها، فقد أصبح استخدام عبارة الاحتلال بنظر القانون الإسرائيلي- الأميركي شكلاً من أشكال معاداة السامية ويتعرض من يستخدمه للعقوبة هو وعائلته في الأراضي المحتلة، ولذلك تصبح هزيمة الغرب وواشنطن على الساحة الأوكرانية هزيمة للنظام العالمي الأحادي الذي تتمسك به واشنطن وتستغله إسرائيل لاستمرار احتلالها.
المصدر: الوطن