فشل الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها في اليمن؟
لقد أصبح كشف التناقض الغربي في دعم حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر باليمن وفلسطين أحد أهم عوامل انعدام الثقة في الرواية الرسمية لوسائل الإعلام الغربية.

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من خلال تصعيد الهجمات الجوية ضد اليمن أن الهدف من هذه الإجراءات هو "تأمين أمن خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر" و"الحد من تهديدات أنصار الله". ومع ذلك بعد مرور أربعة أسابيع على القصف المستمر تظهر الأدلة والتطورات الميدانية أن واشنطن لم تحقق أهدافها فحسب بل أوجدت لنفسها أيضًا تحديات أعمق.
واحد من أهم أسباب فشل الولايات المتحدة في هذه العمليات هي المقاومة القوية للقوات اليمنية بقيادة أنصار الله. وعلى عكس توقعات المحللين العسكريين الغربيين لم تتمكن الهجمات الجوية الثقيلة من تدمير البنى التحتية العسكرية لأنصار الله بشكل فعال. فقد أظهرت الوحدات الصاروخية والطائرات المسيرة في اليمن بعد كل هجوم أنها تستطيع بسرعة تغيير التوازن النفسي للحرب لصالحها عبر استجابات موجهة.
على سبيل المثال خلال الأسبوعين الأولين فقط من الهجمات نفذت اليمن أكثر من 30 هجمة صاروخية وطائرات مسيرة ضد السفن المرتبطة بالغرب أو الكيان الصهيوني في البحر الأحمر والبحر العربي وبعضها أدى إلى أضرار مباشرة أو عرقلة لخطوط الملاحة البحرية.[1]
بالإضافة إلى ذلك عدم فعالية الهجمات الجوية في استهداف أنظمة الإطلاق المتحركة وتركيزها على البنى التحتية المدنية لم يكن له تأثير عسكري ملحوظ فحسب بل زاد أيضًا من التضامن الشعبي مع القوات اليمنية.
لقد أظهرت التطورات في السنوات الأخيرة أن القوات المسلحة اليمنية انتقلت من مرحلة الدفاع فقط إلى مرحلة الردع النشط. تمكن أنصار الله من خلال الاعتماد على القدرات المحلية من تطوير أنظمة متنوعة تشمل صواريخ باليستية بمدايات متوسطة وطويلة وطائرات مسيرة انتحارية عالية الدقة وأنظمة تنصت ورصد متقدمة.
وحسب تقرير معهد الدراسات الإستراتيجية في لندن أصبح اليمن الآن من بين اللاعبين الذين يمتلكون القدرة على إنتاج واستخدام الأسلحة المتطورة وهذه القدرة في غياب الدعم الخارجي تعكس نضجها الفني والعسكري. في الواقع تجلت هذه القوة بحيث استطاعت القوات اليمنية بدقة استهداف السفن الحربية والتجارية ضمن نطاق مئات الكيلومترات.[2]
يمتاز اليمن بأحد أصعب الجغرافيات العسكرية في الشرق الأوسط. فالمناطق الجبلية والوديان العميقة، والطرق الوعرة وغياب البنى التحتية المركزية تجعل أي عمليات هجومية أو احتلالٌ بري تتعرض للفشل. من جهة أخرى تتيح هذه الجغرافيا لليمنيين تنظيم مواقعهم الدفاعية بشكل متناثر ومتعدد الطبقات مما يجعل من الصعب تحديدها عبر الطائرات المسيرة والأقمار الصناعية.
إضافة إلى هذه الخصائص الجغرافية يتكون هيكل المجتمع اليمني من شبكة من القبائل الموالية للمقاومة. وعلى عكس التصور السائد في الغرب فإن الدعم لأنصار الله في العديد من مناطق اليمن ليس سياسيًا فحسب بل له جذور في الهوية الوطنية والتاريخية لليمنيين الذين وقفوا دائمًا ضد الاحتلالات الخارجية. ويعتبر هذا التضامن الشعبي عاملاً مهمًا في إحباط العمليات النفسية والعسكرية للعدو.
حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها تبرير الهجوم على اليمن من خلال الاستفادة من وسائل الإعلام الرئيسية في إطار "الأمن العالمي" و"مكافحة الإرهاب". إلا أن هذه الروايات قوبلت بسرعة بردود فعل سلبية من الرأي العام العالمي وخاصة في الدول الإسلامية. وقد اعتبر العديد من المحللين وحتى الصحفيين المستقلين الغربيين أن هذه العمليات هي استمرار للدعم الأعمى الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل في حرب غزة.
في الواقع فإن الهجوم على بلد كان سابقًا تحت حصار وضغط عسكري، دون تفويض من الأمم المتحدة، فقد مشروعيته في نظر الرأي العام العالمي. وقد أدى ذلك إلى زيادة التعاطف مع الشعب اليمني وتعزيز صورة أنصار الله كقوة مقاومة ضد الهيمنة الخارجية.[3]
لقد أصبح كشف التناقض الغربي في دعم حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر باليمن وفلسطين أحد أهم عوامل انعدام الثقة في الرواية الرسمية لوسائل الإعلام الغربية.
ما حدث في اليمن على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية كان أكثر من كونه نصراً عسكرياً للولايات المتحدة، بل كان رمزًا لفشل استراتيجي آخر في الشرق الأوسط. فالهجمات الجوية غير الفعالة والمقاومة المنظمة لأنصار الله، والقدرات العسكرية المحلية، والجغرافيا الصعبة، والدعم الشعبي، جميعها تضافرت معًا لتجعل هذه العمليات تفشل في تحقيق أهدافها المعلنة.
بجانب ذلك فإن عدم القدرة على بناء وفرض رواية إعلامية مقبولة عالميًا أدى إلى أن تتعرض الولايات المتحدة للفشل ليس فقط في ساحة المعركة، بل أيضًا في مجال الدبلوماسية العامة.
اليمن اليوم لم يعد مجرد بلد فقير في جنوبي شبه الجزيرة العربية بل أصبح نموذجًا للمقاومة الذكية ضد الهجوم الخارجي التي يمكن أن تعيد تعريف نظام القوة في المنطقة.
[1] https://www.aljazeera.com/news/2025/4/1/fresh-us-strikes-extend-air-campaign-targeting-yemens-houthis
[2] https://www.iiss.org/online-analysis/military-balance/2024/04/yemens-houthis-are-going-underground/
[3] https://www.iiss.org/online-analysis/military-balance/2024/04/yemens-houthis-are-going-underground/