تناقض ادعاءات "حقوق الإنسان" في فرنسا
تناقض ادعاءات "حقوق الإنسان" في فرنسا
على الرغم من نشر الحكومة الفرنسية عشرات الآلاف من قواتها الأمنية لقمع الاحتجاجات في مختلف المدن لاستعادة الأمن، إلا أن هذه الإجراءات جاءت بنتائج عكسية ويتزايد حجم هذه الاحتجاجات يوما بعد يوم.
بعد مقتل فتى فرنسي من أصل جزائري يبلغ من العمر 17 عامًا على يد شرطة باريس، اجتاحت الاحتجاجات فرنسا. وفي اليوم السابع من هذه الاحتجاجات، نزل آلاف الفرنسيين إلى الشوارع في مدن مرسيليا وباريس وليون ومدن أخرى للتعبير عن غضبهم من وحشية الشرطة في بلادهم، والتي رافقتها اشتباكات مع الشرطة.
وأثناء احتجاجات ليلة الأحد، اعتقلت الشرطة مرة أخرى مئات الأشخاص، بينما أُضرمت النيران في عدد من المباني والمراكز الحكومية والسيارات. وسجل أكثر من 2500 حريق شمل 1350 مركبة و234 مبنى خلال احتجاجات الأيام الماضية.
وتم نشر ما لا يقل عن 45000 من رجال الشرطة والدرك في فرنسا، وألغت الحكومة الفرنسية جميع الاحتفالات والمناسبات الرئيسية في جميع أنحاء البلاد.
واعتقل أكثر من 3000 شخص وأصيب بعضهم حتى الآن في الاحتجاجات الفرنسية، وحسب السلطات الفرنسية أصيب المئات من رجال الشرطة ورجال الإطفاء في هذه الاحتجاجات. ومع ذلك، يستمر انتشار الشرطة في شوارع فرنسا.
لكن هذه الإغلاقات الواسعة وفرض القيود المرورية في بعض المدن لم تتمكن من تهدئة غضب المحتجين، ولهذا اتخذت الحكومة مبادرات جديدة ربما لإعادة الوضع إلى الفترة التي سبقت الاحتجاجات.
قوانين صارمة ضد المتظاهرين
وافقت وزارة الداخلية الفرنسية، العاجزة أمام الموجة الجديدة من الاحتجاجات، على قانون لحماية الأمن القومي في الاحتجاجات والهجمات الإرهابية، والذي يمنح الشرطة الفرنسية صلاحيات واسعة لمهاجمة المنازل دون الإذن من قاض، وقطع الإنترنت، والإقامة الجبرية.
ينص مشروع قانون وزارة الداخلية على بعض إجراءات الطوارئ الاستثنائية التي كانت سارية منذ هجمات نوفمبر 2015 في باريس. يسمح مشروع القانون لكبير المسؤولين الحكوميين في كل منطقة فرنسية بإغلاق المساجد أو الكنائس أو أماكن العبادة الأخرى.
ويمكنه أيضًا أن يعتقل الأشخاص الذين يثيرون ويستفزون الناس في هذه الأماكن الدينية. كما أن الشرطة لا تحتاج إلى تقديم أدلة للقبض على الأشخاص الذين يستفزون الآخرين.
سيكون أمام إدارة المواقع الالكترونية الدينية 48 ساعة لإعادة النظر في المحتوى المكتوب إن كان محرضاً، وإلا فإن عقوبة السجن لمدة 3 سنوات تنتظرهم؛ وإضافة إلى إغلاق الموقع والسجن، سيتم تغريمهم 45000 يورو.
قطع الإنترنت في المناطق المضطربة هو أحد مبادرات حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقليل عدد الاحتجاجات، ويتم تنفيذ هذه الخطة منذ يوم الأحد.
في هذا الصدد، أعلنت شركة الإنترنت ZoneIDSL في تقرير حول انقطاع الإنترنت ومشاكل الشبكة في فرنسا، أنه تم الإبلاغ عن 1239 حالة انقطاع للإنترنت في فرنسا من قبل المستخدمين.
بدورها، أقرت وزارة العدل الفرنسية قوانين صارمة للتعامل مع احتجاجات الشوارع، وبموجب القانون الجنائي الجديد، يُحظر على القاصرين مغادرة منازلهم ليلاً.
من ناحية أخرى، تم النظر في السجن لمدة عامين وغرامة قدرها 30 ألف يورو لأهالي المشاركين القُصر في الاحتجاجات الفرنسية، وقالت هذه الهيئة القضائية إنها لن تقدم تنازلات في هذه القضايا.
الحكومة الفرنسية، التي سئمت من المحتجين، غير راضية عن كل هذه القيود، وقد ناشدت النظام الصهيوني لحل هذه القضية في أسرع وقت ممكن. وفي هذا الصدد، كشف شمعون نحماني، نائب رئيس وحدة العمليات في قسم الشرطة الصهيونية، أن الشرطة الفرنسية طلبت المساعدة من شرطة هذا النظام للتعامل مع الاحتجاجات في هذا البلد، ويفترض أن الوحدات الأمنية الإسرائيلية أتت إلى فرنسا لرصد الاحتجاجات الأخيرة في فرنسا بدقة والتعبير عن رأيهم في ذلك.
شفرة حقوق الإنسان الواهية في الغرب؛ الحادة على للآخرين!
يأتي عنف الشرطة الفرنسية ضد المعارضين للحكومة، في حين اعتبر القادة الفرنسيون دائمًا بلدهم مهد الديمقراطية وحامي حقوق الإنسان، لكن في احتجاجات السنوات الأخيرة، كان الشيء الوحيد الذي تمت التضحية به هو الديمقراطية المزعومة وحقوق الإنسان. قادة باريس، الذين أظهروا أن هذه الكلمات لها معنى فقط عندما يعني ذلك أنه لن يتم اتخاذ أي إجراء ضد الحكام، وأي احتجاج سلمي يستهدف رئيس الحكومة محكوم عليه بالفشل وسيتم قمعه بعنف.
إن القمع الواسع النطاق للمتظاهرين الفرنسيين في موقف دعم فيه ماكرون ومسؤولون آخرون في باريس أعمال الشغب في إيران العام الماضي، واتهموا سلطات الجمهورية الإسلامية بانتهاك حقوق الإنسان للإيرانيين، وأعلنوا كل يوم من منصات مختلفة أنهم يدعمون مثيري الشغب الذين يهددون النظام والأمن في البلاد. لكن الشرطة الفرنسية، بقمعها الوحشي للمتظاهرين في الأشهر الأخيرة، برّأت جميع منتهكي حقوق الإنسان في العالم وأثبتت أن حقوق الإنسان تهدف فقط إلى الضغط على الحكومات المعادية.
وبينما قدمت سلطات باريس المتظاهرين الإيرانيين كمتظاهرين سلميين، كان من الواضح أنهم كانوا يسعون إلى قلب النظام الإسلامي وليس لديهم رغبة سلمية، لكن المحتجين الفرنسيين لا ينوون الإطاحة بالنظام، فهم يحتجون على وحشية الشرطة والسياسات غير العادلة لحكومتهم حتى تُسمع أصواتهم من قبل القادة، لكنهم مع ذلك يتعرضون للقمع بأسوأ طريقة ممكنة.
حتى عندما تم تقييد الوصول إلى بعض المنصات الأجنبية أثناء الاضطرابات في إيران، وصفته سلطات باريس بأنه انتهاك لحقوق الإنسان. وبمساعدة حلفاء غربيين آخرين، كانوا يبحثون عن حلول جديدة لمنح مثيري الشغب إمكانية الوصول إلى الشبكات الاجتماعية خارج البلاد، لكي يستطيعوا التفاعل بسهولة مع بعضهم البعض. لكن الآن، بخلاف ادعاءاتهم، ومن أجل منع موجة الاحتجاجات في الداخل، قاموا بقطع الإنترنت.
عندما كانت قوات الأمن الإيرانية تتصدى للمشاغبين لإرساء الأمن، عاقبت الحكومة الفرنسية السلطات والمؤسسات الأمنية الإيرانية بذريعة انتهاكات حقوق الإنسان للتظاهر لأنها تدعم حقوق الإنسان، لكنها الآن لا تكتفي بقمع المتظاهرين بالعنف، بل ولمواجهة مواطنيهم، طلبت مساعدة نظام الفصل العنصري الصهيوني، الذي سجل اسمه في أول قائمة منتهكي حقوق الإنسان في ارتكاب الجرائم والعنف ضد الفلسطينيين.
إن عنف الشرطة ضد المتظاهرين في فرنسا مروع لدرجة أن الأمم المتحدة رفعت صوتها وطالبت باحترام حقوق مواطني هذا البلد.
ومفارقة العصر أنه عندما كان قادة الإليزيه يراقبون الاضطرابات داخل إيران بعناية، ومن خلال لقائهم بقادة ومهندسي الاضطرابات في الخارج، كانوا يستعدون لإنشاء جيش تابع للغرب في إيران، لكنهم لم يتصوروا أنهم وبعد فترة قصيرة سيعانون من هذا المصير.
الآن، يُقدر أن ما يجري في فرنسا أسوأ بكثير من أعمال الشغب في إيران، وقد سيطرت الاحتجاجات على باريس، لدرجة أن رجال الدولة في هذا البلد ارتبكوا وخسروا زمام المبادرة.
فالشعب الفرنسي الذي يشعر بوحشية الشرطة بلحمه ودمائه، لا ينتبه للمعايير المزدوجة لقادته في الدفاع عن أعمال الشغب الخارجية، لأن الحكومة الفرنسية لها سجل سيئ في حقوق الإنسان، وانتقادها للآخرين لا يمكنها من إزالة هذه الوصمة عن جباه سلطات باريس.
لقد أدرجت فرنسا كلمة "المساواة" في شعاراتها ودستورها، لكن ما تمت التضحية به في هذا البلد هو العدل والإنصاف، وهو ما داس عليه سياسيو باريس بسهولة من أجل مصالحهم الخاصة، وانتهاك حقوق الإنسان ما هو إلا مجرد الشعار.
المصدر: الوقت