باجس أبو عطوان… الشيخ خضر عدنان مات البطل عاش البطل… جيل يخلف جيل
لم يكن يريد من الثورة أكثر من بندقية، بندقية ليست مجانية، بل سيدفع ثمنها من عمله الشاق في المقهى، من مشيه مسافة 5 كم يومياً من خربته “الطبقة” إلى بلدة دورا، جنوب الخليل. (78 عملية ضد الاحتلال)، نفذت في الجبل والشارع والقرية والخربة، في ضوء الشمس وعتمة الليل، لم يقدّم فلاح واحد شهادة واحدة ضدّ باجس أبو عطوان، فهو لم يقتل بقرة، ولم تمتدّ يده إلى تينة، ولا إلى عنقود عنب من دالية.
كان يقول دائماً لرفاق المجموعة:
“لم نأتِ كجراد، والثورة تدفع مخصصاتنا، وما أكثر ما تتأخر، ولكننا لسنا موظفين في بنك، ولم يستأجرنا أحد لحمل البندقية”.
يتصل باجس في الحاكم العسكري: ألو، إنني أبو شنار أو باجس أبو عطوان، أريد أن أقول لك إنّ “أبو علي” راعي الغنم قد ولد له طفل هذا اليوم، وانّ فلاحاً من دورا قدّم لنا ثلاثة ديوك وسلة تين وصحارة عنب، وبدأنا نزرع القمح والتين والعنب في الجبل، ولدينا طاحونة، ونحن نأكل خبزاً ساخناً، ولدينا بقرة، نحن نشرب الحليب. ثم يلقي باجس بالسماعة ويصرخ الحاكم العسكري ألو ألو… ثم يُنسَف بيت أبو باجس.
ولد باجس محمود أبو عطوان في بلدة دورا ـ الخليل عام 1950، بعد أن فقد أهله أراضيهم التي احتلت عام 1948 اضطروا إلى الانتقال إلى أراضيهم الوعرة في خربة الطبقة التي كانت معقلا لمقاومة الانتداب البريطاني.
تلقى باجس تعليمه الإعدادي في مدرسة دورا الثانوية.
بعد حرب حزيران/ يونيو 1967 واحتلال الضفة الغربية عمل باجس أبو عطوان هو ووالده مع المقاومة الوطنية وانضمّ إلى حركة فتح، وكان بيتهم في “خربة الطبقة” المشرفة على المنطقة التي تحيط بها الأودية والجبال الوعرة ملتقى لرجال المقاومة للتخطيط والتزوّد بالمؤن والسلاح، كما كان المقهى في دورا مركزاً للرصد وتبادل الرسائل والمعلومات. وقد لاحظت المخابرات الإسرائيلية ذلك فجعلت البيت والمقهى تحت المراقبة.
سجن أبو باجس وهدم بيته وطلبت السلطات الإسرائيلية باجس إلا انه رفض تسليم نفسه والتجأ، مع مجموعته إلى الجبل. وهناك شارك باجس في عدة عمليات عسكرية وحاولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقاله أو اغتياله عدة مرات، إلى أن تمكنت المخابرات الإسرائيلية أن توصل له، عبر أحد العملاء، صندوق ذخيرة مفخخ، فانفجر بينما كان باجس يحاول فتحه يوم 18\6\1974 مما أدّى لاستشهاده.
أخذت القوات الإسرائيلية جثة الشهيد للتشريح، وبعد 24 ساعة تمّت إعادتها، وفي صباح يوم الخميس 19/6/1974 نقل الجثمان إلى دورا، ولفّ بالعلم الفلسطيني وسجي في مسجد دوراً الكبير، وسارت الجموع بالجنازة إلى مقبرة النبي نوح عليه السلام حيث دفن الشهيد بجوار مدرسته التي تعلم فيها.
رحل باجس عطوان الى جنان الخلد شهيداً كالطود، وهو بأبهى حلته الشعبية المتواضعة، والتي تحدت قوات الاحتلال في كل بيت وحارة وشارع فلسطيني بكل عنفوان دون ان يعطي العدو اي من اسرار النضال الشعبي الفلسطيني الخالدة شيئا، بل زادته غموضا.
بعد سنوات من تلك التجربة الفدائية العظيمة، ظهر جيل جديد من شعب الجبارين، يحفظ إرث القديم بكلّ تحنان وإصرار، ويضيف عليه عزاً وعنفواناً وصموداً أكثر وغنىً مضاعفاً.
يذكر كثير منّا الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ليونيل جوسبان في شباط عام 2000 إلى فلسطين، حيث حلّ أولاً ضيفاً على الحكومة (الإسرائيلية)، وهاجم من منابرها المقاومة اللبنانية واصفاً إياها بالإرهاب وما إلى ذلك من عبارات منافقة، ثم حلّ في الجزء الثاني من زيارته على السلطة الفلسطينية التي استقبلته بحفاوة ظاهرة، ومن رام الله قام يرافقه وزير التخطيط والتعاون الدولي (الخارجية) الدكتور نبيل شعث بزيارة إلى جامعة بيرزيت التي ساهمت حكومته بتقديم دعم لها، ومن هناك حاول في خطابه تكرار تطاوله على المقاومة اللبنانية واصفاً إياها بالإرهاب وقتل الأطفال، فتصدّى له بداية شاب في مقتبل العمر (21 عاماً) يدرس الرياضيات صارخاً:
“شعب واحد لا يموت… من بيرزيت إلى بيروت”.
كانت هذه الجملة وكأنها كلمة السرّ فانقضّت جموع الطلاب على رئيس الوزراء ممطرينه بالحجارة والزجاجات الفارغة وربما الأحذية، ففرّ من المكان بشكل مهين، حيث طاردت جموع الطلبة سيارته وحطمتها وأصيب إصابة طفيفة في رأسه، وفق ما ذكر مرافقوه (وانْ تمّ نفي ذلك لاحقاً).
كان اسم ذلك الطالب المبادر خضر عدنان شهيد الصبر والأمعاء الخاوية.
بعدنا طيببن قولوا الله…
محمد صادق الحسيني