الهند و روسيا وتعزيز التجارة النفطية
على الرغم من كل العقوبات الصارمة التي فرضها الاتحاد الغربي بقيادة الولايات المتحدة، بدأ المشترون الهنود الآن في البحث عن طرق لمواصلة استيراد النفط الخام الروسي الرخيص، باستخدام وسطاء وشركات تجارية جديدة للحفاظ على سلاسل التوريد الخاصة بهم وتحسينها.

بعد بدء الصراع الأوكراني الروسي من خلال بد إعلان "العمليات الخاصة الروسية"، وبعد مرور أكثر من 3 سنوات على ذلك المشهد، شهدنا فرض عقوبات أحادية الجانب من قبل تكتل الدول الغربية على الدولة الروسية، والتي فرضت على هذا البلد أكثر من 18 ألف نوع من القيود الجزائية ومعظمها للحد من صادرات النفط والطاقة الروسية. لكن على الرغم من كل العقوبات الصارمة التي فرضها الاتحاد الغربي بقيادة الولايات المتحدة، بدأ المشترون الهنود الآن في البحث عن طرق لمواصلة استيراد النفط الخام الروسي الرخيص، باستخدام وسطاء وشركات تجارية جديدة للحفاظ على سلاسل التوريد الخاصة بهم وتحسينها.
أولا، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن هذه العقوبات تسببت في بعض الحالات في خسارة الشركات النفطية الهندية لشحنات النفط الروسية، لكنها تأمل في التغلب على هذه التحديات من خلال الاستفادة من الخصومات الروسية وتوظيف أساليب مثل استخدام الناقلات القديمة التي لا تحتوي على تأمين غربي مخصص، أو إعادة تسمية النفط الروسي في بلد المنشأ المغاير، أو استخدام شركات تجارية تم إنشاؤها حديثا. وفي حين لا تزال هناك تحديات أخرى مثل مشاكل النقل والتأمين والدفع استناداً إلى الاحتياجات المتبادلة للجانبين، فإن التعاون بين روسيا والهند في سوق الطاقة لم يستمر فحسب بل ازداد أيضاً. (1) لأننا نتذكر أن العلاقة الوثيقة بين الهند وروسيا، والتي تقوم على التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا كانت دائما موضع تقدير كرمز للتفاعل البناء بين هاتين القوتين العالميتين العظيمتين لعقود من الزمن. وقد أدت هذه القضية إلى قرار الدول الغربية بتحديد سقف سعري عند 60 دولاراً للبرميل بالنسبة للنفط الخام الروسي - والذي تم اعتماده بهدف منع ارتفاع الأسعار ونقصها في السوق العالمية، وخاصة في الدول الغربية - وليس فقط من أجل تقديم فوائد كبيرة للمشترين الهنود، ولكن أيضاً لخلق حل مناسب لتسهيل مبيعات النفط الروسي.(2)
وبحسب مقالات نشرتها بلومبرج، فإن مصافي التكرير الهندية تتطلع الآن إلى زيادة وارداتها من النفط الخام الأرخص من روسيا خلال فترة التقلبات في السوق العالمية. (3) ويعتقد المسؤولون الهنود أنه في ظل الظروف الحالية وضغط العقوبات الأميركية، فإن أي اضطراب في هذه التبادلات مؤقت وأن هذا التعاون يمكن أن يستمر. ومن ناحية أخرى فإن وجود العقوبات الأميركية غير العادلة على بورصات النفط الخام بدلاً من ردع المشترين أجبر العديد من المشترين والبائعين للنفط الخام في روسيا على إيجاد طرق مختلفة وجديدة لتبادل المنتجات الحالية.
وتشمل الأسباب الرئيسية لهذا الوضع تاريخ العلاقات الهندية الروسية كواحدة من أهم الشراكات الاستراتيجية على المستوى الدولي، ودبلوماسية الطاقة واستراتيجية الدبلوماسية المتعددة الأطراف في التنمية المتوازنة لأعضاء النظام الاقتصادي الدولي الجديد (أو التعاون بين الجنوب والجنوب). وفي ظل هذه الظروف فإن المصالح السياسية والاقتصادية المتبادلة بين الهند وروسيا تملي توسيع تبادلات النفط وتعزيز الاحتياطيات الاستراتيجية للهند، ومن ناحية أخرى فإنها ستؤدي إلى زيادة الجهود الروسية وتقديم حلول إبداعية للحفاظ على حصتها في السوق الآسيوية.
تجدر الإشارة إلى أن الهند تعد حاليا واحدة من أكبر مستهلكي النفط في العالم، ووفقا لوكالة الطاقة الدولية فإن الهند سوف تصبح أكبر مستهلك للطاقة في العالم خلال العشرين عاما المقبلة.(4) ومن هنا يمكننا أن نشهد اعتماد الهند الاستراتيجي على إمدادات الطاقة. وقد جعلت هذه القضية إمدادات الطاقة واحدة من أهم أولويات الهند في تعزيز سياستها الخارجية، وأي خلل في إمدادات الطاقة في البلاد سيكون له بالتأكيد تأثير سلبي على اقتصاد دلهي وتنميتها وخططها الداخلية وسياساتها الخارجية.
تلعب روسيا والهند أدوارًا مختلفة وجوهرية في أسواق الطاقة العالمية؛ وتتمتع روسيا الاتحادية بأكبر احتياطيات من الهيدروكربونات (النفط والغاز والفحم) وتعد واحدة من أكبر المنتجين والمصدرين لموارد الطاقة الأحفورية في العالم. ومن ناحية أخرى، تعد الهند واحدة من أكبر مستوردي الطاقة والوقود وقد زادت من وارداتها من موارد الطاقة لسنوات متتالية، لتلبية احتياجات الطاقة لاقتصادها المتنامي ومجالها الاجتماعي المتطور. والآن وفي ظل هذه الظروف وحتى مع الأخذ في الاعتبار قيود العقوبات الغربية، وعلى الرغم من مخاوف الدول الغربية بشأن تعميق التعاون بين دلهي وموسكو وتأثيراته الملموسة على تماسك سياسة العقوبات ضد روسيا، تسعى الهند جاهدة إلى تأمين الطاقة الرخيصة والاستفادة من الخصومات على النفط الروسي. وهذه المسألة وحدها دليل على عدم فعالية العقوبات والقيود التي يفرضها الاتحاد الغربي كما نرى بوضوح. ورغم القيود الصارمة يتزايد الطلب على النفط والطاقة ومنتجات الوقود الروسية. ويرى العديد من المحللين أن هذه الظروف تشكل نقطة تحول في عملية التغيير في النظام الدولي، حيث ستتخلى الهيمنة الأميركية بالتأكيد عن دورها لصالح نظام جديد متعدد الأقطاب.
1- https://tradingeconomics.com/india/imports/russia/crude-oil-petroleum-bituminous-minerals
2-https://www.nzz.ch/english/india-is-buying-lots-of-crude-oil-from-russia-who-benefits-ld.1867852?_x_tr_sl=auto&_x_tr_tl=fa&_x_tr_hl=en&_x_tr_pto=wapp
3-https://www.bloomberg.com/news/articles/2025-03-24/india-s-spot-oil-needs-wane-as-russia-flows-are-set-to-rebound
4-https://www.spglobal.com/commodityinsights/en/market-insights/latest-news/coal/020921-india-to-lead-world-energy-demand-growth-oil-to-play-key-role-iea