"الحرس الوطني".. عصى بن غفير في حكومة المجانين
مطلع العام الجاري، اعتبر "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة "تل أبيب" في تقريره الإستراتيجي السنوي لعام 2023، أن أكبر تهديد إستراتيجي وأمني تواجهه "إسرائيل" في الوقت الحالي يتمثل بإمكانية تدهور علاقاتها مع الدول الغربية والإدارة الأميركية، بسبب مخطط إضعاف الجهاز القضائي إلى جانب تغيير نمط العلاقات مع السلطة الفلسطينية.
وذكر التقرير أن "التوترات المتصاعدة بين العرب واليهود والتطرف القومي" تشكل أيضًا تحديات كبيرة بالنسبة لـ"إسرائيل"، وقال إن "الشعور بفقدان قدرة السلطات على الحوكمة وانعدام الأمن الشخصي يمكن أن يؤدي إلى مظاهر خطيرة قد تتراوح بين "التنفيذ الفردي للقانون" وحتى "تشكيل ميليشيات مسلحة".
ولم تمض سوى شهور قليلة حتى تحققت مخاوف التقرير، حيث توترت العلاقات فعليًا بين إدارة بايدن ونتنياهو، وحدث تراشق بالتصريحات، وتحققت أبرز المخاوف من تشكيل ميليشيات مسلحة اتخذت اسم "الحرس الوطني الإسرائيلي".
وهو ما يدفعنا للقول باطمئنان إن العدو دخل في حلقة مفرغة من الأزمات حيث يعالج الأزمة بأزمة أخرى.
وللتوضيح، فإن علاج أزمة الاحتجاجات الضخمة والمظاهرات الحاشدة التي فضحت انقسام ما يسمى بـ"المجتمع الإسرائيلي"، تم بالتنازل بشكل مؤقت عن الإجراءات القضائية التي قررتها سابقًا حكومة نتنياهو، ولكن هذا التأجيل كان في مقابل الموافقة على مشروع ايتمار بن غفير والقاضي بإنشاء ميليشيات مسلحة تحمل اسم "الحرس الوطني".
وقد أجمعت تقارير وسائل الإعلام، على أن صاحب فكرة إنشاء "الحرس الوطني" إيتمار بن غفير، وافق على تأجيل التعديلات وامتنع عن مغادرة حكومة نتنياهو، الأسبوع الماضي، في خضم الاحتجاجات، لقاء تحقيق حلمه بإنشاء هذه القوة التي تثير مخاوف وانتقادات حادة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
وقد وافقت الحكومة الإسرائيلية على التمويل اللازم لإنشاء هذه القوة، التي يصفها الجميع بمن فيهم أعضاء في حزب الليكود بـ"الميليشيا"، وصادقت الحكومة الإسرائيلية على تقليص ميزانيات كافة الوزارات بهدف إقامة هذه القوة.
ولبيان حجم الأزمة الصهيونية التي ستتفاقم على خلفية تشكيل هذه الميليشيا، ينبغي تناول ذلك على مستويين رئيسيين، الأول هو جدواها ومدى ما تمثله من خلل في الأولويات وبالتالي تعبير عن تراجع الكيان، والثاني هو تعاطي المعارضة معها وفهمها لهذه الخطوة وبالتالي الانعكاسات الخطيرة على وحدة الكيان الداخلية.
وقبل الخوض في هذين المستويين ينبغي القاء الضوء على حجم القوة وميزانيتها، حيث تبلغ ميزانية "الحرس الوطني" الجديد نحو مليار شيكل (حوالي 275 مليون دولار)، وستتكون من نحو 2000 عنصر.
أولًا: خلل الأولويات الصهيونية كمؤشر على تراجع الكيان
ربما كانت أبرز الانتقادات وأكثرها تعبيرًا عن الخلل، هو ما قاله زعيم المعارضة يائير لبيد، والذي انتقد بشدة الخطوة باعتبارها "سخيفة وخسيسة"، قائلًا إن أعضاء الحكومة صوتوا لصالح "جيش خاص من العصابات"، على حساب مجالات أخرى كالصحة والتعليم والأمن.
وقد وافق مجلس الوزراء على استقطاعات في ميزانيات كل الوزارات من أجل تمويل المشروع المثير للجدل، ورغم اعتراض العديد من أعضاء الحكومة والتعبير عن استيائهم من طريقة التمويل، ورغم اقتراح ممثلي المالية إمكانية تأمين الميزانية المخصصة لإنشاء "الحرس الوطني" خلال بضعة أشهر من دون اقتطاع من ميزانيات الوزارات الأخرى، لكن إيتمار بن غفير رفض هذا المقترح، وقال: "نريد هذا الإجراء بسرعة وأي تأجيل يأتي على حسابنا". وهو ما يعني العجلة في اقتطاع ميزانيات الوزارات والقطاعات الأخرى لصالح مشروع لا يحظى بالإجماع على جدواه، بل بالعكس يحمل شكوكًا ونذرًا بالمزيد من الاحتقان والصراع.
ثانيًا: نظرة المعارضة للمشروع ونذر الخطورة على وحدة الكيان
المشروع يحمل ملامح الميليشيات والعصابات المسلحة والتي ستعمل بشكل فئوي لصالح مؤسس القوة وجناحه المتطرف، حيث من المقرر أن تعمل القوة تحت إشراف وزارة الأمن القومي التي يؤسسها بن غفير. وقد عقد بن غفير وقائد شرطة "إسرائيل" كوبي شبتاي قبل أيام، لقاءً من أجل مناقشة خطط إنشاء هذه القوة ووافق الاثنان على إطار عمل بشأنها.
وأثار الاتفاق بين الاثنين الشكوك بأن هذه القوة ستكون تابعة مباشرة لبن غفير، وهو ما أثار مخاوف من أن يستخدم هذه الميليشيا كقوة شخصية يستغلها لسحق المعارضين.
ولعل تعليقات المعارضة أبرزت هذه الشكوك، حيث تحدث رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست غادي آيزنكوت عن "حادث خطير يهدد أسس استخدام القوة بالبلاد (الكيان)، ويعرضها للخطر".
كما حذر منتقدون من أنه قد يستغل القوة التي يبلغ قوامها نحو ألفي عنصر، بشكل خاص ضد المظاهرات المناهضة للحكومة، أو ضد الفلسطينيين والسكان العرب.
وعبّر مفوض الشرطة يعقوب شبتاي عن مخاوفه إزاء القوة الجديدة في رسالة إلى بن غفير، حسبما ذكرت وسائل الإعلام المحلية، حيث تساءل عن الحاجة إلى "الحرس الوطني" محذرًا من أي فصل له عن الهيكل التنظيمي الهرمي للشرطة، قائلًا "يمكن أن يكون مكلفًا جدًا بل ويضر بأمن المواطنين (المستوطنين)".
كما أبرزت صحيفة "اسرائيل ديفنس" في مقال هام على صفحاتها انتقادًا للمشروع، وقالت إن المشكلة الأمنية لا تتعلق بعدد أفراد الشرطة بل بالمعلومات الاستخباراتية، وأن الأولى هو الاستثمار في الاستخبارات.
هنا نرصد أن الداخل الصهيوني يسير نحو المزيد من الصراع وليس مجرد الانقسام، حيث يعد تشكيل ميليشيا يمينية تحت قيادة المجنون بن غفير مؤشرًا على الدخول في صراعات أهلية قد تكون معها التظاهرات والتظاهرات المضادة نواة لاشتباكات مسلحة بين الفرقاء الصهاينة، ناهيك عن حجم التوتر مع الفلسطينيين والذي سيقود لمزيد من المقاومة والعمليات البطولية.
إيهاب شوقي