احتمالية المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين
إلى جانب ما سبق كانت الحرب الإعلامية والترويجية المعروفة بالأساليب اللينة، في مواجهة الحكومة الديمقراطية مع الصين دائمًا في مرتبة أعلى من المواجهة الصارمة.

مع عودة ترامب مرة أخرى إلى الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، عاد مصطلح الحرب التجارية الذي يعد من مخلفات فترة ولايته الأولى(1)، ليُدرَج في جدول أعمال ولايته الثانية. وتستند هذه السياسة إلى فهم ترامب للوضع الحالي للاقتصاد الدولي ومكانة الولايات المتحدة في تلك العلاقات. في السنوات الأخيرة فتحت الولايات المتحدة أبوابها على السلع التجارية العالمية من خلال رؤية قائمة على اللعب تجاه الاستثمارات في الدول الأخرى وإصدار قوانين مرنة فيما يتعلق بالواردات. لكن هذا التوجه يتنافى بشدة مع رؤية ترامب. وكانت الخطوة الأولى لإدارة ترامب هي إجراء تغييرات في التعريفات التجارية التي شملت حوالي 170 دولة بموجب لوائح جديدة. إن لهذه المسألة تبعات اقتصادية وسياسية عميقة.
ترتبط اقتصاديات الولايات المتحدة والصين، بوصف الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في كثير من الأحيان مما يقرب المواقف السياسية للبلدين من بعضهما بعضاً. لكن مع السياسة التجارية الحالية لترامب قد تدخل هذه الثنائية العلاقات الاقتصادية بين البلدين على وجه الخصوص في تحدٍ كبير وبصفة عامة الاقتصاد الدولي أيضاً. إن الحديث عن بدء فترة أزمة اقتصادية للدول المتقدمة يعد كابوسًا للحكومات الغربية والشرقية. الآن بعد هذه الأحداث يتحدث بعض الخبراء الدوليين عن احتمال المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وقد تفرض هذه الحقائق الاقتصادية نفسها على الأمور السياسية. ولهذه المسألة أبعاد متعددة سنتناولها هنا في هذا المقال.
جهود البلدين لتقليل التوترات الاقتصادية من خلال الحوار، على خلفية الأضرار الناجمة عن الحرب التجارية والعقوبات والقيود التكنولوجية يستدلُ على أن الولايات المتحدة والصين، وهما متنافسان في مجال التكنولوجيا الجديدة، تسعيان إلى تعاون ثنائي في مجموعة واسعة من العلوم الحديثة. لقد أدت الحواجز التي أُقيمت في الأشهر الماضية إلى الإضرار الكبيرة بكلا الطرفين في التكنولوجيا، وقد تؤثر على العديد من المشاريع القائمة على المعرفة في كلا البلدين على المدى القصير. إن منطق التقدم في التكنولوجيا يفرض على البلدين اتخاذ التدابير اللازمة للوصول إلى اتفاق. لقد استهدفت قرارات الصين بشأن حظر تصدير بعض المعادن الحيوية مؤخرًا صناعات الولايات المتحدة المتطورة بشكل مباشر. كما أعادت الولايات المتحدة تفعيل حظر تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين. ويمكن أن تتسبب هذه الإجراءات في ضرر كبير لصناعات البلدين مما يستدعي من حكومتي الصين والولايات المتحدة اتخاذ الإجراءات اللازمة لإدارة هذه الحالة في أسرع وقت ممكن.(2)
تشعر المؤسسات الاقتصادية الدولية بالقلق إزاء استمرار الصراع التجاري وتأثيره السلبي على سلسلة الإمدادات العالمية والتضخم ونمو الاقتصاد مما يثير القلق من حدوث جولة جديدة من الركود في الاقتصاد الدولي وذلك في وقت كانت الآثار السلبية الاقتصادية لجائحة كورونا على وشك النسيان مما خلق أجواء سلبية بين الشركات متعددة الجنسيات. يعتقد العديد من المؤسسات الاقتصادية الدولية أن الصين بالنظر إلى اعتمادها العميق على التجارة الدولية، ستتجه تدريجياً نحو اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة. إن تصعيد الحرب التجارية بين الدولتين والذي يتم تطبيقه حاليًا تجاوز معدل 100 في المائة (3) وهو ما يُعتبر سابقة في تاريخ الاقتصاد الدولي.
دور المنافسة الجيوسياسية وتدخلات بعض التيارات في أمريكا في منع الاتفاق والحفاظ على الضغط على بكين
تدور السياسة في الولايات المتحدة حسب التنافس الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين، حيث يدعم الديمقراطيون في سياستهم الدولية إدارة التوترات بطريقة غير مباشرة من خلال أساليب مبتكرة، واستغلال الحروب الإعلامية ضد أعدائهم بالإضافة إلى تعزيز التقارب الجيوسياسي مع أوروبا لإدارة الدول المعادية (مثل الصين وروسيا وإيران). تميزت سياسة الحكومة الديمقراطية تجاه الصين بتعزيز التعاون ومراقبة سلوك الصين بشكل مستمر.
إلى جانب ما سبق كانت الحرب الإعلامية والترويجية المعروفة بالأساليب اللينة، في مواجهة الحكومة الديمقراطية مع الصين دائمًا في مرتبة أعلى من المواجهة الصارمة. يبدو أن التيار الديمقراطي في الولايات المتحدة راضٍ عن تصعيد الصراع بين إدارة ترامب والصين، ويبدو أنهم يحتاجون أيضًا إلى هذه الحالة السلبية في العلاقات بين الدولتين من أجل تعزيز فرصهم الانتخابية في المستقبل، حيث يمكنهم استخدام هذه الورقة لزيادة عدد الأصوات في الانتخابات القادمة من خلال انتقاد حالة ترامب والصين، التي أدت إلى عدم الاستقرار العالمي.
يمكن أن يؤثر هذا الوضع على الاقتصاد العالمي واستقرار الأسواق الدولية خاصة في مجالات التكنولوجيا والطاقة وصادرات السلع. إن حالة التوتر في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة قد تؤثر أيضًا على تدفق السلع بين البلدين، وحتى بين جبهة الشرق والغرب حيث يمكن أن تتعرض العديد من السلع الصينية (من الشركات الأم) في وجهتها إلى أوروبا للعقوبات الأمريكية مما قد يؤثر بشكل سلبي على اقتصاد الدول المتقدمة والنامية. وقد يؤثر على الاستقرار الذي تحقق في السنة الماضية بعد تراجع التوترات في المناطق القابلة للاحتقان.
بشكل عام، يجب أن نقول إنه في ضوء وضع البلدين فإن مستقبل المفاوضات التي قد تؤدي إلى اتفاق بين الصين والولايات المتحدة ويعتمد على تراجع الطرفين عن مواقفهما المتطرفة. في هذا السياق الكرة في ملعب الولايات المتحدة لأن هذه الدولة هي التي بدأت الحرب التجارية وفرض التعريفات الجمركية. وتشير الأدلة الحالية إلى عدم تراجع الطرفين في هذا الشأن.(4)