أوروبا ودعم إسرائيل أو عودة التحديات الدينية إلى القارة!

إن الدعم الواسع النطاق من جانب القوى الأوروبية لجرائم إسرائيل في الحرب الأخيرة مع غزة فاق التوقعات إلى حد كبير، كما قدمت هذه الدول دعماً متحيزاً واضحاً وصريحاً لتصرفات نتنياهو وحكومته. هناك آراء مختلفة لهذا الدعم عند الخبراء، كل منها يمكن أن يكون تفسيراً لهذه التصرفات الإجرامية، لكن النقطة المغفلة في هذه الآراء هي القضية التاريخية والدينية التي لم تحظ باهتمام كبير.

نوفمبر 2, 2023 - 14:38
أوروبا ودعم إسرائيل أو عودة التحديات الدينية إلى القارة!
أوروبا ودعم إسرائيل أو عودة التحديات الدينية إلى القارة!

إن الدعم الواسع النطاق من جانب القوى الأوروبية لجرائم إسرائيل في الحرب الأخيرة مع غزة فاق التوقعات إلى حد كبير، كما قدمت هذه الدول دعماً متحيزاً واضحاً وصريحاً لتصرفات نتنياهو وحكومته. هناك آراء مختلفة لهذا الدعم عند الخبراء، كل منها يمكن أن يكون تفسيراً لهذه التصرفات الإجرامية، لكن النقطة المغفلة في هذه الآراء هي القضية التاريخية والدينية التي لم تحظ باهتمام كبير.

واجهت كل من القوى الأوروبية الكبرى صراعًا دينيًا طويل الأمد مع اليهود بطريقة ما، و واجهت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، باعتبارهما الداعم الأول لإسرائيل، أكبر التحديات الدينية مع السكان اليهود الذين يعيشون على حدودهم. لذلك قد لا يكون غريباً أن تحظى هذه الدول بأكبر قدر من الدعم لإسرائيل اليوم.

تاريخ الصراعات والحروب الدينية بين المسيحيين واليهود له تاريخ طويل جدًا، يصل تقريبًا إلى ما قبل القرن الرابع الميلادي،  فبحسب بعض مؤرخي الديانة اليهودية، فقد قاموا بأول حادثة قتل في عيد البوريم (عيد المساخرة) في سورية و شكلت الأرضية الأولى في بدء أولى الصراعات الدينية الكبرى بين اليهود والمسيحيين. وفي الواقع فإن السبب الرئيسي لنشوء ذلك الصراع بين هاتين الديانتين هو استهزاء اليهود بالمسيح في عيد البوريم، حيث أحرقوا الصليب. وكانت هذه بداية صراع ديني كبير وتاريخي بين الطرفين، لأنه لأسباب مذهبية معروفة لا يمكن للمسيحيين أن يقبلوا بحرق الصلب ويسكتوا لذلك.[1]

وتعود ذروة هذا الصراع والعنف إلى نهاية القرن التاسع عشر، حيث كان كل حدث ضد المسيحيين، يشار بأصابع الاتهام إلى اليهود، وفي تلك الأيام أدرك هرتزل مسألة مهمة، وهي أنه لا يمكن لليهود أن يكون لهم دولة مستقلة في أوروبا، لأن الهجمات ضدهم كثيرة جدًا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تكاليف هذه الصراعات أصبحت أكثر تكلفة على الحكومات الأوروبية كل يوم، ففكر في حل هذه المشكلة في أوروبا وكان حلها هو نقل اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين.

بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، قامت بريطانيا، بصفتها الوصي على فلسطين، بوضع الأسس الضرورية تمهيداً لجلب اليهود إلى الأراضي المقدسة. وبعد ذلك تم حل القضية اليهودية المسيحية في أوروبا إلى حد كبير، وأصبحت هذه القضية تحدياً بين الإسلام واليهود.

في الواقع، تخلصت أوروبا من هذه القضية إلى حد كبير بنفسها، وحاولت من خلال ذلك القيام بحل الصراع الديني المستمر منذ قرون بين المسيحية واليهود، والذي يبدو ظاهريًا أنه نجح، ولكن في جوهره لا يزال الكثير من الأوروبيين يعادون اليهدود ويكنون الكراهية لهم.

ويبدو أن السياسيين الأوروبيين يدركون جيداً هذه القضية، وهي أنه إذا استمرت الأحداث في الأرض المحتلة لفترة طويلة، فإنها ستؤدي بلا شك إلى هجرة اليهود العكسية إلى أوروبا ودول أخرى. وتعني هذه القضية احتمال تزايد الصراع الديني في أوروبا، كما لوحظت بوادر هذه القضية في ألمانيا. حيث تم وضع علامة على بيوت اليهود وأرسلت لهم رسالة من قبل الألمان مفادها "نحن قادمون إليكم"[2].

هذه القضية تبدو في الظاهر صغيرة، ولكنها تأخذ معنىً عميقاً و واسعاً عندما توضع في لغز تاريخي، وتلك القضية هي أصل الكراهية لبعضهم البعض. وعلى وجه الخصوص، يعتقد المسيحيون أنهم لم ينتقموا لأنفسهم من فعلة اليهود، ولم ينتقموا بما يكفي مقابل ذلك. [3]. كما يعتقدون أن اليهود مسؤولون عن الحروب والتوترات التي شهدتها أوروبا في القرون الأخيرة.

وإلى جانب هذا تجدر الإشارة إلى أن المسيحية أيضاً تصرفت بقسوة وعنف وبدون رحمة مع اليهود، و سبب هذه الكراهية والتوترات هو التصرفات القاسية من كلا الجانبين. ولذلك يمكن القول إن السياسيين الأوروبيين يعلمون جيداً أنه إذا زاد عدد السكان اليهود في هذه القارة، فسوف يتحملون تكاليف باهظة، لذا فمن الأفضل إنهاء هذه المعركة في أسرع وقت ممكن وتطبيق حل الدولتين ليتم تجنيبها استئناف الحروب الدينية مع اليهود، ودعم أوروبا لإسرائيل ليس بسبب الضغط السياسي أو لأسباب إنسانية، بل للحفاظ على السلام في أوروبا نفسها.

امین مهدوی

 

[1] Krystyna Stebnicka, THE INCIDENT AT INMESTAR: JEWS AND CHRISTIANS AT THE BEGINNING OF THE FIFTH CENTURY(۲۰۱۴)

[2] euronews.com

[3] ONATHAN RAY, Christian (Re)Encounters with Jews in the Sixteenth-Century Mediterranean(2016)