المحيط الهندي.. منطقة التنمية الاقتصادية القادمة
هذا هو المكان الذي سيحدث فيه كلّ شيء في العقود القادمة، فعلى مرّ العصور قيل إن العالم ينتقل من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ، وهذا ما يحدث بالفعل.
في أوروبا، بعد حربين عالميتين، أتاحت معاهدة “روما”، من خلال تسهيل التجارة الحرة، تحقيق تنمية اقتصادية هائلة، يعوقها الآن النظام الإداري المرهق الذي تمّ وضعه لإدارة هذا التطور. وفيما يتعلق بالبلدان المحيطة بالمحيط الهندي، ربما تكون في بداية فترة هائلة من النمو “الريكاردي” نسبة الى نظرية التعادل الريكاردي التي قدمها عالم الاقتصاد السياسي ديفيد ريكاردو في كتابه “مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب” الصادر عام 1821، والتي تقوم على مبدأ تمويل الإنفاق الحكومي من خلال تخفيض نسبة الضرائب، أو عن طريق الاقتراض الداخلي.
بحسب خبراء الاقتصاد، سوف يكون مركز هذا النمو في الهند، وفي بلدان المحيط الهندي، ولكن ستظهر آثاره على روسيا وتركيا والشرق الأوسط وإفريقيا وجميع البلدان الواقعة شمال جبال الهيمالايا، وهنا يوضح الخبراء بعض النقاط التي تبرز أهمية هذا الجزء من العالم:
– يعيش أكثر من نصف البشرية في القوس الذي يمتد من مصر إلى جاكرتا.
– يوجد في هذه المنطقة احتياطيات ضخمة غير مستغلة من الغاز والنفط في السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق وإيران. وإذا كان الاقتصاد عبارة عن طاقة محولة فقط، فأقل ما يمكن قوله هو أن هذه المنطقة ستكون الجزء من العالم، حيث ستكون الطاقة أرخص، وبالتالي سيكون النمو فيها الأقوى.
– لتطوير هذه المنطقة لا تحتاج إلى ابتكار أي شيء، بل يكفي تقليد ما فعله الأمريكيون والأوروبيون واليابانيون والصينيون في الماضي لبناء بنى تحتية لا تتطلب أي اختراع معيّن.
– ستكون هذه المنطقة ذات طاقة رخيصة، ولكنها ستحتاج إلى مواد خام أخرى متوفرة في إفريقيا والبرازيل وأمريكا اللاتينية، وكذلك في روسيا ودول شمال جبال الهيمالايا، مثل كازاخستان. وفي هذا الصدد، تقوم روسيا وإيران ببناء خط سكة حديد بطول 3000 كيلومتر ستربط بين البلدين، وسيتمّ ربط هذا الخط بالخط العابر لـ سيبيريا، مما سيسمح للصين، ورشة العالم، بنقل بضائعها دون المرور بحراً إلى إيران أو الهند. وهذا يعني أن طريق الحرير البري سوف يتفرع جنوباً، ويمرّ عبر تركيا وسورية والعراق وإيران ليربط هذه الدول بمنطقة النمو في المحيط الهندي.
– ستتمّ تسوية المعاملات بين روسيا ودول منطقة المحيط الهندي إما بالروبل أو بالعملات المحلية، مما سيحرّر معظم هذه الدول من الحاجة إلى الدولارات لشراء المواد الخام التي قد تحتاجها.
– للمرة الأولى في التاريخ، ستصل المواد الخام من روسيا، ومنتجات من الصين إلى الهند براً. وعليه ستكون روسيا أساسية في الإمداد الغذائي للمنطقة، مما يسمح برؤية مختلفة قليلاً للصراع مع أوكرانيا. وهذا يعني من منظور الاقتصاد الكلي شيئاً واحداً بسيطاً، هو أن هذه المنطقة ستشهد طفرة تاريخية في الاستثمار في البنية التحتية. أما عن التوقيت الآن، فهو لأن ربحية الاستثمارات في هذه المنطقة سوف تنفجر في الارتفاع بسبب قانون المزايا المقارنة، بمعنى أن العائد على رأس المال في المتوسط في العالم سيشهد زيادة مذهلة. وهذا يعني أن مخزون المدخرات على المستوى العالمي يجب أن يزداد بشكل كبير، والطريقة الوحيدة لزيادة مخزون المدخرات هي زيادة الربحية للمدخرين، أي زيادة أسعار الفائدة الحقيقية بشكل كبير، وقد شهد العالم حدوث مثل هذا الأمر خلال إعادة توحيد ألمانيا، والذي استقبلته الأسواق المالية بسعادة حتى اللحظة التي ارتفعت فيها المعدلات الحقيقية في ألمانيا فوق 5٪، مما أدى إلى خروج “اليورو” من بريطانيا العظمى، والسويد وإيطاليا، وإفلاس أحد البنوك الكبرى في فرنسا، وركود عقاري خفيف في أوروبا. سوف ترتفع الأسعار الحقيقية في جميع أنحاء العالم، وهو ما يعني أن جميع البلدان التي تعاني من عجز في المدخرات يتجلى في عجز الميزانية والعجز الخارجي الذي تمّ تمويله من قبل أولئك الذين لديهم فائض في المدخرات في العالم، وسوف تجد نفسها عارية. والسؤال الكبير الذي يطرحه خبراء الاقتصاد، هو من سيكون الخاسر الأكبر في العالم الجديد ومن سيكون الرابح الأكبر؟
الجواب بسيط، برأي الخبراء، أن الخاسر الأكبر سيكون كلّ أولئك الذين استثمروا كل مدخراتهم أو جزءاً منها في سندات البلدان التي تعاني من عجز هيكلي في المدخرات أو في العقارات في هذه البلدان نفسها، أي كلّ من يريد عقارات في البلدان التي ينهار نموها وتركيبها الديموغرافي، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. كما سينخفض مستوى معيشة موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين، وعلى وجه الخصوص المتقاعدين الجدد، ناخبي ماكرون، بينما سيرتفع مستوى معيشة رواد الأعمال والعمال الذين سيكونون مستعدين للذهاب إلى المنفى كثيراً.
أما الرابح الأكبر فهم أولئك الذين لديهم مدخرات فائضة، إذ لن يتمّ إعادة تدوير هذه المدخرات الزائدة عن طريق “وول ستريت”، أو “بنك سيتي”، ولا المركز المالي لباريس، الذي يوجد فقط في العالم الخيالي، ولكن بواسطة هونغ كونغ وسنغافورة ومومباي وموريشيوس.
وفي مجال الشركات، جميع الشركات التي تعرف كيفية بناء الجسور، والمطارات، والطرق، وبناء المدن، وبناء محطة للطاقة النووية، وتشغيل أنظمة معقدة، وبيع الأسلحة بسعر معقول، سيكون نجاحاً كبيراً كما لم يكن من قبل، كما سيتمّ تسوية المعاملات بين جميع هذه الدول جزئياً بالذهب من السندات الصينية أو الهندية أو السنغافورية.
المصدر: البعث