الدروس والعبر من الحرب الأوكرانية بالنسبة لأوروبا
الدروس والعبر من الحرب الأوكرانية بالنسبة لأوروبا
تعتبرُ الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي مضى عليها أكثر من 500 يوم، واحدة من أهم التحديات الجيوسياسية لأوروبا في هذا القرن، والتي تتضمن دروسًا كثيرة للأوروبيين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
قد تكون الضربة الكبرى لهذه الحرب لأوروبا هي أن احتمال اندلاع حرب برية واسعة النطاق لأوروبا لم يعد بعيد المنال. يجب أن يفكروا في تعزيز قوتهم البرية، وقد تم إثبات أهمية القوة البشرية أكثر من أي وقت مضى بالنسبة لأوروبا. إذا حدث هذا الغزو لدولة أوروبية، على سبيل المثال ألمانيا، فمن المحتمل أن يكونوا قد عانوا من فشل ذريع لأن معدات المشاة وأدواتهم ليست حديثة وغير كافية. في العقود القليلة الماضية ، كان التركيز عادةً على تعزيز القوات البحرية والجوية، فضلاً عن تعزيزها وإحراز تقدم في مجالات الدفاع الجوي والبحري، لذلك تم إهمال أهمية تطوير القوة البرية والاهتمام بها، والآن تلقت أوروبا ضربة كبيرة بأن المعدات والتجهيزات العسكرية التي لا تمتلك قوة بشرية وقوة برية لا تعتبر من الأفضلية. بالإضافة إلى هذا الموضوع ، يجب تحديث تدريب القوات البرية وتعريفهم بالمعارك الحديثة ، كما يجب زيادة سرعة هذا التدريب حتى تتمكن أوروبا من تحقيق قوة ردع كافية في مجال القوات البرية. أيضًا ، يجب إنشاء تنسيق وانسجام سريع بين القوات البرية والمعدات الهجومية والدفاعية لزيادة كفاءة وإنتاجية التجهيزات القتالية بحيث يتم تقليل الخسائر إلى الحد الأدنى. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجهة نظر التهديد لا تشمل جميع الدول الأوروبية وقد يكون للدول البعيدة عن روسيا وجهة نظر أكثر توازناً قليلاً والتي يمكن أن تصبح تحديًا للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. لأن عدم وجود فهم مشترك للتهديد يعني زيادة التركيز على برامج الدفاع الوطني التي قد تجلب المزيد من الصعوبات للبلدان ذات الاقتصادات الضعيفة، لا سيما بالنظر إلى المساعدات المالية والعسكرية الهائلة لأوكرانيا التي كانت أكبر من قدرتها الاقتصادية لبعض البلدان. أصبحت هذه القضية السبب وراء إعطاء الأولوية للشؤون الداخلية وحل مشاكلهم الخاصة المتعلقة بالخطط السابقة لحلف شمال الأطلسي أو حتى الاتحاد الأوروبي، ثم التفكير في الدفاع الجماعي[1]. ويصبح هذا الموضوع أكثر أهميةً عندما نعلم أنه في الناتو هناك ثقة موجودة بين بعض الأعضاء أكثر من بعضهم الآخر، بينما بالنسبة للآخرين ليس كذلك. في الواقع إن الطبيعة متعددة الجنسيات لأوروبا وعدم وجود رؤية مشتركة لمختلف القضايا الناتجة عن الحرب الأوكرانية هي الأسباب والمجالات الرئيسية لعدم توافق الآراء بين الأعضاء.
على الرغم من عدم وجود رؤية مشتركة للتهديد وآثاره في أوروبا، فقد تم قبول بعض الأمور بالنسبة لهم وفي جهود مشتركة يسعون إلى تعزيز نقاط ضعفهم. من بينها الزيادة في عدد قوات الاستجابة السريعة على الحدود الشرقية والقريبة من روسيا التي يمكن أن تتصدى لهجوم محتمل ومفاجئ من قبل روسيا، والتي كانت أهميتها كبيرة بالنسبة لحلف الناتو، لدرجة أن عددها على الحدود الروسية قد زاد الآن من 4 مجموعات إلى 8 مجموعات من قوات الاستجابة السريعة. العنصر الآخر الذي تم تحديد أهميته جيدا لجميع الأطراف المشاركة في الحرب، هو الإمداد اللوجستي، ويتطلع الناتو إلى تعزيز هذه الحلقات اللوجستية في برنامج مشترك للأعضاء، ليكونوا قادرين على تأمين القوات على خط المواجهة بأقل التكاليف وأقصى سرعة للموارد المتاحة، وكان انضمام السويد إلى الناتو مهما جدا في تحقيق هذا الهدف والآن يتمتع الناتو بقوة لوجستية أكثر من ذي قبل ويمكنه تحقيق أهدافه بشكل أفضل[2].
قضية أخرى مهمة هي الإحاطة بالمعلومات الاستخباراتية والمعرفة الدقيقة بالقدرات العسكرية للطرف الآخر. في أوكرانيا تمكن الدعم الاستخباراتي الغربي من هزيمة بعض أهداف روسيا وتأخير البعض الآخر في الوصول إليها. لقد أظهرت هذه النخبة الاستخباراتية لأوروبا أهمية التعاون الأمني والاستخباراتي وبمساعدتها يمكن القتال والدفاع بأقصى قدر من الكفاءة في ظروف الحرب والحفاظ على المواقع إلى حد ما. بطبيعة الحال تدرك أوروبا جيدا أنه لا يكفي وجود رقابة استخباراتية، وكما فعلت يجب عليها تعزيز نفسها في جميع المجالات لتحقيق قوة ردع كافية.
لذلك تعلمت أوروبا دروسًا مهمة جدًا وقيّمة في هذه الحرب وإذا استخدمتها جيدًا يمكنها أن تلعب دورًا فاعلًا رئيسيًا من خلال التخلص من نقاط ضعفها.
[1] www.nzz.ch
[2] William Alberque and Benjamin Schreer, ‘Finland, Sweden and NATO Membership’, Survival, vol. 64, no. 3, 2022