أوروبا والانعطاف مع اليمين؟
في الأيام القليلة الماضية أجريت الانتخابات البرلمانية في أوروبا وانتهت في ماراثون استمر أربعة أيام، ولاقت الأحزاب اليمينية نجاحا واسعا. حيث يمكن أن يكون لهذه القضية تأثيرات واسعة النطاق على السياسات الداخلية والسياسات الخارجية الكلية المستقبلية للاتحاد الأوروبي.
في الأيام القليلة الماضية أجريت الانتخابات البرلمانية في أوروبا وانتهت في ماراثون استمر أربعة أيام، ولاقت الأحزاب اليمينية نجاحا واسعا. حيث يمكن أن يكون لهذه القضية تأثيرات واسعة النطاق على السياسات الداخلية والسياسات الخارجية الكلية المستقبلية للاتحاد الأوروبي.
نتيجة الانتخابات
في هذه الانتخابات، وعلى الرغم من التوقعات بانتصار ساحق لليمين المتطرف، فإن هذا لم يحدث في كل أوروبا. لكن ذلك كان فقط في دولتين، ألمانيا وفرنسا، حيث حقق اليمين المتطرف انتصارا كبيرا لدرجة أن السيد ماكرون أمر في فرنسا بحل البرلمان الأوروبي. لم يكن هذا الحدث مفرحاً جدًا للأسواق المالية في أوروبا وقد كان رد فعلهم سلبيًا على هذه القضية. وأظهرت هذه القضية صدمة الحدث، حيث يرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن وصول حكومات يمينية متطرفة تدعم السياسات الاقتصادية للقوميين وتحد من حرية تدفق رؤوس الأموال إلى السلطة، يمكن أن يزيد من مخاطر الاستثمار في أوروبا.
وعلى الرغم من المخاوف بشأن ارتفاع شعبية أحزاب اليمين المتطرف، إلا أن أحزاب الوسط تظل الكتلة الأكبر في البرلمان الأوروبي. وظل حزب الشعب الأوروبي أكبر حزب بحصوله على 184 مقعدا، وجاء حزب الاشتراكيين الأوروبيين في المركز الثاني بحصوله على 139 مقعدا.[1].
ومع ذلك، حققت الأحزاب اليمينية أيضًا تقدمًا كبيرًا. وحصل حزب "المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون" على 7 مقاعد ليصل إلى 72 مقعدا، وحزب "الهوية والديمقراطية" على مقعد واحد ليصل إلى 58 مقعدا، وهو ما يدل على صعود التيارات القومية والشعبوية في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وهذا يمكن أن يضر بالنهج الأساسي للاتحاد الأوروبي ووحدته.
ومن ناحية أخرى، واجهت الأحزاب الليبرالية والخضراء تراجعا كبيرا. وخسر حزب النهضة الأوروبي 22 مقعدا مقابل 80 مقعدا وخسر حزب الخضر 19 مقعدا مقابل 53 مقعدا. وقد يكون ذلك بسبب عدم الرضا عن أداء هذه الأحزاب في التعامل مع قضايا مثل تغير المناخ والهجرة..[2] هذه القضايا التي أصبحت ذات الأولوية الرئيسية لشعوب أوروبا في هذه السنوات ولم تتمكن هذه الأحزاب من متابعة وتحقيق متطلبات ورغبات الشعب، ولم تكن أفعالها تحقق الرضا المطلوب من قبل الشعب ويمكن رؤية ذلك من خلال قلة الحظ والخيبة التي جاءت في نتائج أصواتهم .
وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات 2024 63.6%، وهي النسبة الأدنى في تاريخ انتخابات البرلمان الأوروبي. وهذا يدل على عدم اهتمام وخيبة أمل بعض الأوروبيين تجاه الاتحاد الأوروبي [3]. وهي في واقع الأمر رسالة مهمة للزعماء الأوروبيين، الذين يتعين عليهم أن يفكروا في السبل الكفيلة بتحسين الوضع في الاتحاد الأوروبي. وقد تم تحديد نسبة المشاركة هذه بينما تحاول أوروبا منذ عدة أشهر زيادة رغبة الناس في المشاركة في الانتخابات، لكنها لم تنجح. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر هذه المشاركة شكلاً من أشكال الاحتجاج المدني ضد سياسات الاتحاد الأوروبي في مختلف المجالات.
عواقب التغييرات
ستكون للانتخابات البرلمانية نتائج واسعة بحسب الاحصاءات التي تم التوصل إليها. ومن بين هذه العواقب، يمكننا أن نشير إلى صعوبة بناء ائتلاف بين الأحزاب المختلفة، وهو ما قد يشكل تحديات كبيرة للتشريع أو تطوير برامج الاتحاد الأوروبي، مثل إبطاء العملية التشريعية أو الجمود السياسي واسع النطاق.
والنتيجة الأخرى تتعلق باليمين المتطرف، الذي يمكن أن يؤدي إلى صراع بين الحكومات أو سياسات صارمة في مجالات الهجرة والتراجع عن السياسات الخضراء الأوروبية، وهو خطر مهم على مستقبل أوروبا الخالية من الكربون.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن نهج السياسة الخارجية للبرلمان الأوروبي سوف يتغير في الفترة الجديدة ويمكن أن تصبح هذه القضية تحديًا كبيرًا بين أعضاء البرلمان الأوروبي، حيث تزايدت في هذا البرلمان التيارات المعارضة للحرب الروسية وتريد إنهاء الصراعات. إلى جانب ذلك، تعتبر مواقف السيد أوربان مؤشراً جيداً على الانقسام المتزايد في الاتحاد الأوروبي، وهو يأمل في إمكانية معالجة الأهداف الوطنية والمستقلة أكثر من القضايا الأخرى من خلال بناء توافق في البرلمان. كما يمكن لليمين المتطرف أن يلعب دورًا وضغطًا الآن أكثر من ذي قبل، بل ويمكنه أن يصبح فاعلًا في انتخاب الرئيس الجديد لأوروبا، خاصة وأن السيدة فان دير لاين لديها خلافات مع يمين الوسط، وربما من أجل البقاء ستضطر للتفاعل مع اليمين المتطرف، مما يعني أن أوروبا ستتجه أكثر نحو اليمين، وهو ما قد لا يكون ساراً للغاية بالنسبة للعديد من المؤيدين لفكرة الاتحاد الأوروبي.
[1] euronews.com
[2] politico.eu
[3] reuters.com